وكان أبيّ بن خلف قال حين افتدي : والله إنّ عندي لفرسا أعلفها كلّ يوم فرق ذرة ، ولأقتلنّ عليها محمدا. فبلغ قوله رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : بل أنا أقتله إن شاء الله. فأقبل أبيّ مقنّعا في الحديد على فرسه تلك يقول : لا نجوت إن نجا محمد. فحمل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم (١).
قال موسى : قال سعيد بن المسيّب : فاعترض له رجال ، فأمرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فخلّوا طريقه ، واستقبله مصعب بن عمير يقي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقتل مصعب. وأبصر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ترقوة أبيّ من فرجة بين سابغة البيضة والدّرع ، فطعنه فيها بحربته ، فوقع أبيّ عن فرسه ، ولم يخرج من طعنته دم (٢).
قال سعيد : فكسر ضلع من أضلاعه ، ففي ذلك نزلت (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (٣). فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثّور فقالوا : ما جزعك؟ إنّما هو خدش. فذكر لهم قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : بل أنا أقتل أبيّا. ثم قال : والّذي نفسي بيده ، لو كان هذا الّذي بي بأهل المجاز لماتوا أجمعون. فمات قبل أن يقدم مكة (٤).
وقال ابن إسحاق : حدّثني حييّ بن عبّاد بن عبد الله بن الزّبير ، عن أبيه ، عن جدّه ، أنّ الزّبير قال : والله لقد رأيتني انظر إلى خدم سوق هند وصواحباتها مشمّرات هوارب ، ما دون إحداهنّ قليل ولا كثير ، إذا مالت الرّماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه يريدون النّهب ، وخلّوا ظهورنا للخيل ، فأتينا من أدبارنا ، وصرخ صارخ. ألا إنّ محمدا قد قتل ، فانكفأنا
__________________
(١) السير والمغازي لابن إسحاق ٣٣١.
(٢) سيرة ابن هشام ٣ / ١٦٦.
(٣) سورة الأنفال : من الآية ١٧.
(٤) سيرة ابن هشام ٣ / ١٦٦.