وأما أصحابنا : فالبنية المخصوصة عندهم غير متوسطة كما يأتى ؛ بل كل جزء من أجزاء بدن الإنسان إذا قام به إدراك أو علم ؛ فهو مدرك عالم به ، وهل ذلك مما يقوم بالقلب أو غيره؟ فمما لا يجب عقلا ، ولا يمتنع. لو لا دلّ الشّرع عليه بقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) (١). وقوله : (فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ / آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) (٢). وقوله : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (٣).
وأما الكلام على وجود النّفس وكونها مدركة للكليات دون الجزئيات : فسيأتى فيما بعد.
وأما أنّ العلم غير باق :
فمما اختلف فيه أيضا :
والّذي عليه إجماع المعتزلة : بقاء العلوم الضّرورية والمكتسبة التى لا يتعلق بها التكليف. وأما العلوم المكتسبة المكلف بها : فقد قال الجبّائى (٤) : إنها غير باقية. وإلا كان المكلف بها حال بقائها غير مطيع ، ولا عاص ، ولا مثاب ، ولا معاقب ؛ مع تحقق التكليف ؛ وهو خلاف أصلهم في لزوم (٥) الثواب والعقاب عل ما كلف به بتقدير الفعل أو الترك ، حتى إنه طرد ذلك في كل عرض مقدور يتعلق به التكليف.
وخالفه أبو هاشم في ذلك. وأوجب بقاء العلوم مطلقا.
وأما أصحابنا : فإنهم قضوا باستحالة بقائها لكونها أعراضا. وسيأتى تحقيق ذلك في استحالة بقاء الأعراض إن شاء الله تعالى (٦).
__________________
(١) سورة ق ٥٠ / ٣٧.
(٢) سورة الحج ٢٢ / ٤٦.
(٣) سورة محمد ٤٧ / ٢٤.
(٤) محمد بن عبد الوهّاب بن سلام بن خالد الجبّائى ، البصرى ، المعتزلى (أبو على) متكلم ، مفسر ولد بجبّى بخوزستان سنة ٢٣٥ ه وإليه تنسب الطائفة الجبائية. كان أستاذا للأشعرى قبل تحوله عن مذهب المعتزلة. توفى بالبصرة سنة ٣٠٣ ه. (وفيات الأعيان ٣ / ٣٩٨ ، البداية والنهاية ١١ / ١٢٥ ، الاعلام ٧ / ١٣٦).
(٥) فى ب (ان).
(٦) انظر الجزء الثانى من الأبكار ل ٤٤ / ب.