الوجه الثالث : هو أنه إذا كان المحل حيا مع صحة الحاسة ، وانتفاء الموانع ، والمدرك موجود ؛ فإنا نعلم حصول المدركية ، ولا شك أنها موقوفة على وجود المدرك.
وعند ذلك ، إما أن تتوقف المدركية على شرط آخر ، أو لا.
فإن توقفت على شرط آخر : فإما أن يكون من الشرائط (١) المذكورة من صحة الحاسة ، وانتفاء الموانع ، من القرب المفرط ، والبعد المفرط ، وارتفاع الحجب ، أو خارجا عنها.
لا جائز أن يقال بالأول : لأن هذه الشروط إنما يعقل ثبوتها في حق الأجسام ، والله ـ تعالى ـ ليس بجسم ؛ فلا يتصور ثبوتها في حقه. وما استحال ثبوته لشيء (٢) ، استحال كونه شرطا في ثبوت غيره لذلك الشيء ؛ لأن كونه شرطا : صفة ثبوتية. والصفة الثبوتية : لا تكون صفة للعدم الصرف.
ولا جائز أن يقال بالثانى : وإلا لزم عدم الإدراك عند فرض عدمه مع وجود ما قيل من الشرائط ؛ وهو ممتنع ، مخالف لما هو معلوم لنا بالضرورة.
وإن كان الثانى ؛ فهو المطلوب.
وهو ضعيف أيضا ؛ إذ لقائل أن يقول :
لا نسلم أن علة المدركية في الشاهد ، كون المدرك حيا.
وأما ما ذكروه من الدوران ؛ فباطل بما سبق في قاعدة الدليل (٣) كيف وقد أمكن أن يكون حلول الحياة في العضو مع اتصاله بالجملة الحية من جملة المصحح.
وأما الوجه الثانى : فباطل ؛ إذ لا مانع من كون العلة صحة الحاسة.
قولهم : معنى صحة الحاسة ، انتفاء الآفات ، لا نسلم [ذلك (٤)] ؛ بل هو عبارة عن اعتدال المزاج ، وهو أمر وجودى لا عدمى.
__________________
(١) فى ب (الشروط).
(٢) فى ب (للشىء).
(٣) انظر ل ٤٠ / أ.
(٤) ساقط من أ.