قلنا : هذا إنما يلزم أن لو كان الجهل البسيط نقيضا للعلم ؛ وليس كذلك ؛ [بل (١) هو مقابل له ؛ والمتقابلان (١)] أعم من المتناقضين. ولا يلزم من كون أحد المتقابلين ثبوتيا أن يكون الأخر سلبيا ؛ (٢) ولهذا فإنّهما يجتمعان في الكذب بالنسبة إلى ما هو غير قابل للعلم ، ولو كانا متناقضين لما اجتمعا في الكذب (٢). وقد قيل : إنّ العلم صفة إضافيّة بين العالم والمعلوم ؛ وفيه نظر.
فإنّه إن قيل : إنّ الإضافة عدم ؛ فسلب الإضافة يكون ثبوتيا. ويلزم منه أن يكون سلب الإضافة عن الأعدام المحضة ؛ موجبا لاتصاف العدم المحض بالصّفة الثّبوتيّة ؛ وهو محال.
وإن قيل : إن الإضافة وجود ـ فيلزم [أن تكون الإضافة بين] (٣) المتقدم والمتأخر ؛ صفة ثبوتية لهما. مع أنّ أحدهما معدوم. وأن تكون الإضافة / بالتقابل بين السّلب والإيجاب صفة ثبوتية لهما ؛ والسلب عدم محض.
وإذا كان كلّ واحد من الأمرين محالا ؛ فالعلم لا يكون صفة إضافية.
وإذا عرف معنى العلم ؛ فهو حاصل متحقّق باتفاق العقلاء. ولم يخالف في ذلك غير السّوفسطائية (٤) ، وسيأتى (٥) الكلام معهم فيما بعد إن شاء الله تعالى (٥).
وهو ينقسم إلى : قديم ، وإلى حادث.
أما العلم القديم : فهو علم الله ـ تعالى ـ وسيأتي الكلام فيه فيما بعد (٦).
وأمّا العلم الحادث : فينقسم إلى ضرورى ، وإلى كسبى ؛ فلا بدّ من الإشارة إليهما (٧).
__________________
(١) فى أ ـ (بل مقابل له فالمتقابلان).
(٢) من أول (ولهذا فإنهما ...) ساقط من (ب).
(٣) فى أ ـ (أن للإضافة من).
(٤) السّوفسطائيّة : هم الذين شكوا في وجود الحقائق ، وقالوا : إن حقائق الأشياء تابعة للاعتقاد ، وصححوا جميع الاعتقادات مع تضادها وتنافيها ، وكانوا يستخدمون مقدمات خاطئة ليتوصلوا بها إلى نتائج الغرض منها إسكات الخصم. ومن أشهر رجالهم بروتاجوراس المتوفى ق. م ، ومعاصره جورجياس المتوفى عام ٣٨٠ ق. م. ولمزيد من البحث والدراسة انظر الفصل لابن حزم ١ / ٤٣ ـ ٤٥ القسم الأول : السوفسطائية.
(٥) فى ب (وبيان الكلام معهم ما يأتى فيما بعد).
(٦) انظر ل ٧٢ / ب وما بعدها.
(٧) فى ب (إليه).