معلومية كل واحد من الشيئين لا تنفك عن الأخرى ـ ؛ امتنع استنادها إلى علمين ، ووجب أن يكون الموجب لهما علما واحدا.
وفي حجج هذه المذاهب نظر :
أما حجة المذهب الأول : فلقائل أن يقول : لا نسلم أنه يلزم من جواز تعلق العلم الواحد بمعلومين (١) فصاعدا على وجه يكون متناهيا ؛ جواز تعلقه بمعلومات غير متناهية (١) وإن كان المحتج بها معتزليا ؛ فيلزم عليه القدرة الحادثة ؛ (٢) فإنه يجوز عنده تعلقها بمقدورين (٢) فصاعدا مع اتحادها ، وما لزم من ذلك جواز تعلقها بمقدورات غير متناهية ـ وإن كان ذلك غير ممتنع في القدرة ـ ؛ فمثله في العلم من غير فرق.
وأما حجة المذهب الثانى : فلا يخفى أنها قياس تمثيلى ، وإلحاق شاهد بغائب من غير دليل جامع ؛ فتكون باطلة. (٣)
ثم تلزم ـ على من احتج بذلك من أصحابنا ـ القدرة الحادثة ، فإنها لا تتعلق بأكثر من مقدور واحد على أصلنا ـ كما يأتى ـ وما لزم من جواز تعلق قدرة الرب ـ تعالى ـ بمقدورين فصاعدا ؛ جواز ذلك في القدرة الحادثة ؛ ولا يخفى تعذر الفرق بين العلم والقدرة.
وأما حجة المذهب الثالث : على جواز تعلّق العلم الضّرورى بمعلومين مع اتحاده ؛ فهى حجة المذهب الثانى ، وقد عرف ما فيها.
وأما حجّته على امتناع تعلّق العلم النّظرى بمعلومين : فإنما يلزم أن لو امتنع تعلق العلم الواحد بمعلومين بناء على نظر واحد ؛ وهو غير مسلم.
وأما الحجة الأولى على الطّرف الأول من المذهب الرابع : وهو مذهب القاضى أبو بكر ، فإنما تلزم أن لو قيل بجواز انفكاك العلم بالسّواد عن العلم بالبياض مطلقا ؛ وليس كذلك ؛ بل لقائل أن يقول : إنّما يجوز الانفكاك أن لو علمنا بعلمين ، وأما إذا علمنا بعلم واحد فلا.
__________________
(١) فى ب (كتعلقه بثالث وهلم جرا. كما لا يلزم من جواز تعلقه بمعلوم واحد جواز تعلقه بمعلومين ، بل جاز أن يكون واجب التعلق بمعلومين على وجه لا يتعدى إلى الثالث. ولا يمكن الاقتصار على التعلق بأحدهما).
(٢) فى ب (وأنه يجوز تعلقهما عنده بمقدورين).
(٣) انظر ما يأتى ل ٣٩ / ب.