يبني لهم سدّا يحجز عنهم يأجوج ومأجوج ويقيهم شرهما ، فقام ذو القرنين بعملية كبيرة ، حيث سدّ ما بين الجبلين ـ الذي كان طريق نفوذهما ـ بزبر الحديد ثم أنجز عملية بناء السدّ بما يحكيه تعالى من قوله : (حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا ، حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) (١).
فلما فرغ من بناء السدّ قال :
(هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ، فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا* وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً) (٢).
وقوله : (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) ، يعرب عن كون اندكاك السّدّ من أشراط الساعة (٣). والمراد أنّه بعد انقضاء أمر السّدّ يموج بعض الناس في بعض ، فيرتفع من بينهم النّظم ، ويحكم فيهم الهرج والمرج ، ويظهر هذا أيضا من آية أخرى ، أعني قوله تعالى : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ* وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ) (٤).
فمفادها أنّه عند ما ينفرج سدّ يأجوج ومأجوج ، يتفرق المحجوزون خلف السدّ ، في الأرض ، فلا ترى أكمة إلّا وقوم منهم يهبطون منها ، وعند ذلك يقترب الوعد الحق ، أي قيام الساعة. فيكون اندكاك السدّ وانتشار يأجوج ومأجوج في الأرض من أشراط الساعة ، لحكايته عن اقتراب الوعد الحقّ ، وهذا هو المراد من أشراط الساعة.
ج ـ إتيان السماء بدخان مبين
إنّ الصناعات البشرية أوجدت قلقا في الحياة ، ولوثت البيئة في الأرض
__________________
(١) سورة الكهف : الآية ٩٦.
(٢) سورة الكهف : الآيتان ٩٨ و ٩٩.
(٣) ويمكن جعله من أشراطها على حدة ، فإنّها تحكي عن عموم حالة الفوضى والهرج والمرج العالم بأسره.
(٤) سورة الأنبياء : الآيتان ٩٦ و ٩٧.