بالأدخنة المتصاعدة من معاملها ، والأبخرة المتطايرة من موادها. ولكنها إلى اليوم ليست إلى الحدّ الذي يزاحم الحياة ، والله يعلم مآل الأمور.
ولكنه تعالى يخبر عن حدوث دخان في السماء ، يغشى الناس ، ويكون عذابا أليما لهم ، يقول تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ* يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ* رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ* أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ* ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ* إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ* يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) (١).
إنّ في تفسير الآية وجهين :
الوجه الأوّل ـ إن مجموع هذه الآيات راجعة إلى عصر النبي ، وذلك أنّ رسول الله دعا على قومه لمّا كذّبوه ، فقال : اللهم سنينا كسني يوسف ، فأجدبت الأرض وأصابت قريشا المجاعة ، وكان الرجل لما به من الجوع ، يرى بينه وبين السماء كالدخان ، فجاءوا إلى النبي وقالوا : يا محمد ، جئت تأمر بصلة الرحم وقومك قد هلكوا. فسأل الله تعالى لهم بالخصب والسعة ، فكشف عنهم ، ثم عادوا إلى الكفر (٢).
يلاحظ على هذا الوجه : أولا ، إنّ ظاهر الآية أنّ السماء تأتي بدخان مبين ، وتحدثه ، وهو غير تجلّي السماء بصورة الدخان في عين الجائع ، الذي هو انخداع الحواس لغلبة الجوع ، من دون أن يكون هناك دخان في الواقع.
وثانيا : إنّ أصحاب السّير النبوية لم يذكروا شيئا عن هذا الجوع المدقع الذي أحدق بقريش وأوجد فيهم سنينا كسني يوسف.
وثالثا : إنّ ما جاء في القصة ، لا يناسب خلق النبيّ وعطفه على قومه ، وكونه رحمة للعالمين ، كيف وقد قال سبحانه : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ
__________________
(١) سورة الدخان : الآيات ١٠ ـ ١٦.
(٢) مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ٦٢ ، وتفسير الطبري ، ج ١٥ ، ص ٦٦. وبهذا المضمون روايات أخر في المصدرين.