وأما الرابع ، فيحتمل أن يكون قوله : (أَنَّ النَّاسَ) مقولا لكلامها ، كما يحتمل أن يكون تعليلا لفرض العذاب عليهم ، الذي يدل عليه صدر الآية ، فكأنه يقول : حق عليهم العذاب لأنهم كانوا بآياتنا لا يوقنون ، ويؤيّد هذا الوجه قراءة (أَنَ) بالكسر ، التي تجعلها جملة مستأنفة ، واقعة موقع التعليل.
وأما الخامس ، فيحتمل أن يكون المراد من الآيات هو الآيات الكونية والأنفسية الواردة في قوله سبحانه : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ، أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (١).
كما يحتمل أن يكون المراد من الآيات ، المعاجز وخوارق الآيات التي جاءت بها الأنبياء ، وإطلاق الآية على المعجزة في القرآن ، كثير.
ويحتمل أن يكون المراد ، الكتب السماوية ، فإنها آيات إلهية.
ولا يظهر من الآية شيء في تعيين أحد هذه الاحتمالات ، إلّا أنّه يمكن تاييد الاحتمال الثالث بقوله سبحانه في آية سابقة عليها : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (٢).
وأما السادس ، وهو الهدف من إخراج الدابة ، فيمكن أن يكون إعلام دنوّ السّاعة ، كما يمكن أن يكون لأجل تمييز المؤمن من الكافر ، وغير ذلك من الأهداف التي وردت فيها الروايات.
وأما السابع ، وهو زمان الإخراج فسياق الآيات يثبت أنّها تقع قبل يوم القيامة ، عند دنوّها لقوله سبحانه بعدها : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ) (٣). فبما أنّ الثانية تقع قبل القيامة ، فسياق الكلام يقتضي كون الأولى كذلك.
ويتحصّل من الإمعان في الآيات أنّه سبحانه يحكي في لفيف منها عن أمور
__________________
(١) سورة فصلت : الآية ٥٣.
(٢) سورة النمل : الآية ٧٦.
(٣) سورة النمل : الآية ٨٣.