لمّا نزلت هذه الآية على النبي صلىاللهعليهوآله ، لم يعمّر بعد نزولها إلّا أحدا وثمانين يوما أو اثنين وثمانين يوما ، ولم يحصل بعدها زيادة ولا نسخ وتبديل البتة. وكان ذلك جاريا مجرى إخبار النبي عن قرب وفاته ، وذلك إخبار عن الغيب فيكون معجزا» (١).
وما ذكره يؤيّد كون النزول يوم الغدير ، أعني يوم الثامن عشر من ذي الحجة ، لأنّه لو فرض كون الشهور الثلاثة (ذي الحجة ، ومحرم ، وصفر) ناقصة ، لكانت وفاتهصلىاللهعليهوآله بعد واحد وثمانين يوما ، ولو كان الشهران (محرم وصفر) ناقصان ، لا نطبق على الاثنين والثمانين ، كل ذلك بملاحظة ما اتّفقت عليه كلمة الجمهور من أنّ النبي توفي يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول.
والعجب أنّ الرازي غفل عن هذه الملازمة ، وأنّه لا يجتمع مع نزولها يوم عرفة.
فعلى ذلك لا يصحّ تفسير الدين بالأحكام ، ولا الإكمال بالبيان. وفي ضوء ذلك يمكن أن يقال إنّ المراد من الدين هو أصوله ، والمراد من الإكمال ، تثبيت أركانه ، وترسيخ قواعده ، وذلك أنّ الكفار ، خصوصا المستسلمين منهم ، كانوا يتربصون بالنبي الدوائر ، فإنّهم كانوا ينظرون إلى دعوته بأنّها ملك في صورة النبوة ، وسلطنة في ثوب الرسالة ، فإن مات أو قتل ، ينقطع أثره ويموت ذكره ، كما هو المشهور عادة ، من حال السلاطين ، وكان الكفار يعيشون هذه الأحكام والأماني التي تعطيهم الرجاء في إطفاء نور الدين ، وعفّ آثاره عبر الأيام.
غير أنّ ظهور الإسلام ، تدريجيا ، وغلبته على الكفار والمشركين ، بدّد أحلامهم بالخيبة ، فيئسوا من التغلّب على النبي ودعوته ، فلم يبق لهم إلّا حلم واحد ، وهو أنّه لا عقب له يخلفه في أمره ، فيموت دينه بموته. وكان هذا الحلم يتغلغل في أنفسهم ، إلّا أنّ الخيبة عمّتهم لما شاهدوا خروج الدين عن مرحلة
__________________
(١) تفسير الرازي ، ج ٣ ، ص ٣٦٩.