القيام بشخص النبي الأكرم إلى مرحلة القيام بشخص آخر مثالي يقوم مقامه ، فعند ذلك تحققت الأمور الثلاثة : يئسوا من زوال الدين ، بعد موته ، وكمل الدين بتنصيب من يحمل وظائف النبي ، وتمّت نعمة الهداية إلى أهداف الرسالة بالوصي القائم مقامه.
فالمراد من إكمال الدين ، تحوّله من وصف الحدوث إلى وصف البقاء ، وكان ذلك العمل ، ردّا لما يحكيه سبحانه عن الكفار بقوله : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً ، حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ، فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١). ولعلّ المراد من قوله : (يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) ، هو ما حدث في ذلك اليوم.
وعلى ذلك ، فتنسجم الجمل الثلاث ، ويرتبط بعضها ببعض ، فالدين الذي أكمله الله اليوم ، والنعمة التي أتمّها الله اليوم ، أمر واحد بحسب الحقيقة ، وهو الذي كان يطمع فيه الكفار ، ويخشاهم فيه المؤمنون ، فآيسهم الله منه ، وأكمله وأتمّه ، ونهاهم عن الخشية منهم ، وقال : (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) (٢).
* * *
هذه هي حقيقة الإمامة ، والإمام عند الشيعة ، وبذلك يعلم اختلاف ما يتبنونه مع ما هو المعروف عند أهل السنّة ، ومن المعلوم أنّ كلّا من المعنيين يستدعي لنفسه شروطا خاصّة ، والشروط عند الشيعة الإمامية أكثر ممّا اتّفقت عليه كلمة أهل السنّة ، أهمها إحاطته بأصول الشريعة وفروعها ، والمعرفة التامّة بكتاب الله ، وسنّة نبيّه ، وقدرته على دفع الشبهات ، وصيانة الدين ، يكون كلامه هو القول الفصل بين الأمّة ، ولا تفترق هذه الشروط عن كونه معصوما ، لا يضلّ في تعليم الأمّة.
قال الشيخ الرئيس ابن سينا في لزوم نصب الإمام من جانب النبي : «ثم إنّ هذا الشخص الذي هو النبي ، ليس ممّا يتكرر وجود مثله في كل وقت ، فإنّ
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ١٠٩
(٢) سورة المائدة : الآية ٣.