يلاحظ عليه : قد فات الرازي أنّ اتّحاد المعنى أو الترادف بين الألفاظ ، إنّما يقع في جوهريات المعاني لا عوارضها الحادثة من أنحاء التركيب ، وتصاريف الألفاظ ، وصيغها. مثلا : الاختلاف الحاصل بين المولى والأولى ، بلزوم مصاحبة الثاني بالباء (أولى به) ، وتجرّد الأول منه ، إنّما حصل من ناحية صيغة افعل من هذه المادة ، كما أنّ مصاحبة «من» ، هي مقتضى تلك الصيغة مطلقا ، إذن مفاد «فلان أولى بفلان» ، و «فلان مولى فلان» ، واحد ، حيث يراد به «الأولى به من غيره» ، ويشهد لذلك أنّ «افعل» بنفسه ، يستعمل مضافا إلى المثنّى والجمع ، أو ضمير هما بغير أداة ، فيقال : زيد أفضل الرجلين ، أو أفضلهما ، وأفضل القوم وأفضلهم ، ولا يستعمل كذلك إذا كان ما بعده مفردا ، فلا يقال : زيد أفضل عمرو ، وإنّما يقال هو أفضل منه ، ولا يرتاب عاقل في اتّحاد المعنى في الجميع.
قال الأزهري في باب التفضيل : «إنّ صحة وقوع المرادف موقع مرادفه ، إنّما يكون إذا لم يمنع من ذلك مانع ، وهاهنا منع مانع ، وهو الاستعمال ، فإنّ اسم التفضيل ، لا يصاحب من حروف الجر إلّا «من» خاصة ، وقد تحذف مع مجرورها للعلم بها نحو : (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) (١)». (٢)
ثمّ إنّ الرازي اختار أنّ المولى في الحديث بمعنى «الناصر» ، مع أنّ ما أورده على القول بأنّه بمعنى «الأولى» ، وارد عليه ، فلا يقال في اللغة العربية ، «هو مولى دين الله» ، مكان «ناصر» ، ولا يصحّ تبديل قوله : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) (٣). إلى «من مواليّ إلى الله» ، أو تبديل قول الحواريين : (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) (٤) إلى «نحن موالي الله».
هذه الحالة مطّردة في كثير من المترادفات التي جمعها الرّماني (م ٣٨٤) في تأليف مفرد ، مع أنّ اختلاف الكيفية حاكم عليها أيضا ، مثلا يقال : عندي
__________________
(١) سورة الأعلى : الآية ١٧.
(٢) التصريح ، لخالد بن عبد الله الأزهري ، باب أفعل التفضيل.
(٣) سورة آل عمران : الآية ٥٢.
(٤) الآية السابقة نفسها.