الثانى : هو أن أكثر آيات القرآن دالة على ما جرى له ولأصحابه ، مما وقع ومما كان متوقعا ، ووقع على ما بيناه ؛ وذلك مما يمنع كونه كلاما لغيره.
الثالث : أن الهيئة الاجتماعية مشتملة على النظم الغريب والبلاغة ، والاخبار عن الغيب ، وسنبين أن ذلك هو المعجز.
قولهم : القرآن قد يطلق بمعنى المقروء وبمعنى القراءة وعلى كلا التقديرين ؛ لا يكون معجزا. فمندفع ؛ إذ المعجز ليس هو المقروء وهو الصفة القديمة ؛ بل المعجز إنما هو العبارات / الدالة على المعنى القديم.
قولهم : إنها مقدورة له. لا نسلم ذلك ؛ بل المقدور له ، ولغيره منها إنما هو الحفظ ، والتلاوة. أما ما فيها من النّظم ، والبلاغة وتضمن الأخبار عن الغائبات ؛ فلا نسلم أنه مقدور له ، ولا لغيره من المخلوقين على ما سيأتى.
قولهم : لا نسلم كون القرآن معجزا.
قلنا : القرآن بجملته وما اشتمل عليه / / من النّظم الغريب والبلاغة ، والإخبار بالغيب لا يخفى على عاقل ومن شد أطرافا من الأدب والمعرفة مع تحدى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ به ، وتوفر دواعى بلغاء العرب على معارضته ، مع ما ظهر منهم من المنازعة ، وكثرة المشاجرة ، وإنكار النبوة حتى أن منهم من مات على غيه ، وكفره ، ومنهم من دخل فى الاسلام إما مع طمأنينة نفسه ، وو وضوح صدق النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عنده. وإما مع نفرة واستنكار ملتزما للذل والصغار ، وحكم الاسلام : كالمنافقين.
ومنهم من أشغل نفسه بالمعارضات الغثة التى هى مضحكة للعقلاء ، كما سيأتى إيضاحه ، ولم يقدر أحد منهم على الاتيان بمثله ، ولا بمثل سورة منه.
قولهم : ما ذكرتموه فى وجه اعجاز القرآن أنتم فيه مختلفون.
قلنا : الاختلاف ، والخفاء وإن وقع فى آحاد وجوه الاعجاز التى ذكرناها ؛ لاختلاف نظر الناظرين ، وتفاوتهم فى الاطلاع على جهة إعجازه ؛ فلا خلاف بيننا ، ولا خفاء عندنا بأن القرآن بجملته ، وبالنظر إلى نظمه ، وبلاغته وأخباره عن الغيب معجز.
__________________
فذلك قوله : (وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ) رواه الكلبى عن ابن عباس فلما دخل رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ مكة أمر بقتله مع جماعة ، ولو وجدوا تحت أستار الكعبة ففر ابن أبى سرح إلى عثمان ـ رضي الله عنه ـ فغيبه عثمان وأتى به إلى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بعد ما طمأن أهل مكة واستأمنه له. وأسلم عبد الله بن سعد بن أبى سرح وحسن إسلامه ولم يظهر منه ما ينكر عليه بعد ذلك ، بل أظهر الله على يديه خير كثيرا للإسلام فشارك فى فتح إفريقية وغزا الروم ، وتوفى بعسقلان سنة ست وثلاثين (انظر تفسير القرطبى ٤ / ٢٤٧٦ ، ٢٤٧٧ ، ٧ / ٤٥٠٢).
/ / أول ل ٨٨ / ب.