الواضحات فليس يخلوا عن درء احتمال وخيال مناقض لما هو الظاهر من اللفظ كما فى قوله ـ تعالى : ـ (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ) (١) فإنه لو لم يقل تلك عشرة كاملة لتوهم متوهم أن المراد به ؛ وتمام سبعة إذا رجعتم.
قولهم : إنّ أكثر آيات القرآن متعارضة متناقضة ، ليس كذلك ، فإنه ما من آيتين يتوهم التعارض بينهما ، إلا ويمكن الجمع بينهما بتأويل إحداها ، وخفاء التأويل ، وتحقيق الجمع على بعض القاصرين غير موجب للتعارض بينهما فى نفس الأمر.
وما ذكروه فيه من الاختلاف اللفظى والمعنوى فما كان منه من أخبار الشواذ الآحاد فليس من القرآن ، وما كان منه متواترا فهو من القرآن على ما قال عليه الصلاة والسلام «أنزل القرآن على سبعة أحرف وكلها شاف كاف» (٢) وذلك غير ممتنع ، ولا مناقض للمعجز.
وما ذكروه من الدلالة على أن وجه الاعجاز من القرآن ليس هو سلامة القرآن عن التناقض والاختلاف ، ولا موافقته لقضية العقل ودقيق المعانى ، ولا قدمه ، ولا دلالته على الكلام ، ولا الصرفة ، فهو بحق ونحن مساعدون عليه.
وما ذكروه في امتناع الإعجاز فى اجتماع وصفى البلاغة والنظم ؛ فهو باطل كما أسلفناه من أن حكم الأفراد غير لازم أن يكون ثابتا للجملة ، ولا حكم الجملة للأفراد.
قولهم : لو كان القرآن معجزا ؛ لكونه خارقا للعادة ؛ لكانت العلوم الهندسية ، والحسابية عند ابتداء ظهورها معجزة ؛ لكونها خارقة للعادة.
قلنا : لا يخلو إما أن يكون ما ظهر من هذه العلوم معتادا أو غير معتاد.
فإن كان الأول : فالإشكال مندفع.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٦٩.
(٢) الحديث متفق على صحته رواه البخارى ومسلم في صحيحيهما.
صحيح البخارى ـ كتاب فضائل القرآن ـ باب انزل القرآن على سبعة أحرف. فتح البارى بشرح صحيح البخارى ٨ / ٦٣٩ الحديثان رقمى ٤٩٩١ ، ٤٩٩٢. وصحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين ـ باب : بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه ١ / ٥٦٠ حديث رقم ٨١٨ ط : عيسى الحلبى ـ ت. فؤاد عبد الباقى وأخرجه أبو داود فى سننه ٢ / ٧٦ حديث رقم ١٤٧٥. وأخرجه أحمد فى مسنده ٥ / ١١٤ عن عبادة بن الصامت بلفظ : «أنزل القرآن على سبعة أحرف كل شاف كاف».