ووجه التجوّز : أنه لمّا كان خطور الشيء بالبال قد يفضى إلى العزم عليه فى الأكثر سمّى باسم ما يؤول إليه : كما فى قوله ـ تعالى (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (١) ونحوه ، وإذا ثبت أنه حقيقة فى العزم ، مجاز فى غيره ؛ فيمتنع ترك الحقيقة من غير دليل.
وعلى هذا يكون الجواب عما ذكروه من الاحتمال الثانى والثالث.
قولهم : سلمنا أن الهمّ عبارة عن العزم ، غير أنّ المعزوم عليه غير معين ، فأمكن حمله على دفعها ، أو ضربها ؛ فهو ممتنع لوجوه أربعة :
الأول : أنه لو أراد به العزم على غير المعصية مما يكون دافعا للمعصية لم يكن فى قوله ـ تعالى ـ (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) (٢) فائدة. إذ البرهان لا يكون صارفا عنه ، وكل ما يقال فى ذلك من الاحتمالات ؛ فبعيدة عن مذاق العقول ؛ فلا يمكن الحمل عليه.
الثانى : هو أن الكلام فى قوله ـ تعالى ـ (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) خرج مخرجا واحدا ، وذلك مشعر باتحاد المفهوم منها نظرا إلى سياق الكلام.
والهمّ فى حقهما محمول على العزم على الزنا ؛ فكذلك فى حقه. ولا يصار إلى خلاف ما يظهر من اللفظ إلا لدليل ؛ ولا دليل.
الثالث : هو أن لفظ الهمّ بالمرأة ظاهر يعرف الاستعمال فى الوطء ، لا فى غيره من الأفعال ، ولهذا فإنه لو قال القائل : همّ فلان بفلانة ؛ فإنه لا يتبادر إلى / الفهم منه غير الاهتمام بوطئها.
الرابع : قال ابن عباس (٣) فى معنى قوله (وَهَمَّ بِها) أنه حلّ هميان سراويله وجلس منها مجلس الخائن ، وقال مجاهد (٤) «أما همّها به أنها استلقت له. وأمّا همّه بها : أنه قعد بين رجليها ، ونزع ثيابه.
__________________
(١) سورة الزمر ٣٩ / ٣٠.
(٢) سورة يوسف ١٢ / ٢٤.
(٣) سبقت ترجمته فى هامش ل ١٤٩ / ب.
(٤) مجاهد بن جبر : أبو الحجاج المكى ، مولى بنى مخزوم. مفسر ، تابعى من أهل مكة قال عنه الذهبى : شيخ القراء والمفسرين. أخذ التفسير عن ابن عباس ، قرأه عليه ثلاث مرات ، يقف عند كل آية يسأله : فيم نزلت وكيف كانت؟ ولد سنة ٢١ ه وتوفى سنة ١٠٤ ه [صفة الصفوة لابن الجوزى ١ / ٣٩٣ ـ ٣٩٥ وميزان الاعتدال ٣ / ٩].