قولهم : فى الكلام تقديم ، وتأخير على ما ذكروه ؛ فهو ممتنع لوجهين :
الأول : أنه يلزم مما ذكروه تقديم جواب لو لا عليها ، وهو غير جائز. ولهذا فإنه لا يحسن أن يقال : قام زيد لو لا عمرو ، وقصدتك لو لا بكر.
الثانى : هو أن جواب لو لا يكون إلا باللام ، كما فى قوله ـ تعالى : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ١٤٣ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (١) كيف وأن ما ذكروه يوجب دفع همه بها ، وهو خلاف ما نقله أرباب التفاسير.
فإن قيل : لو لم يكن قوله وهمّ بها جوابا لقوله (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) لكان جواب لو لا محذوفا ، وليس القول بامتناع تقديم جواب لو لا عليها ، أولى من امتناع حذف جوابها.
قلنا : ليس كذلك ؛ فإن حذف الجواب جائز فى اللغة ، وقد ورد به القرآن ، وشعر العرب.
أما القرآن : فقوله ـ تعالى ـ (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٢) معناه : ولو لا فضل الله عليكم لهلكتم ، أو غير ذلك.
وأما الشعر : فقول امرئ القيس :
فلو أنها نفس تموت جميعة |
|
ولكنها نفس تساقط أنفسا (٣) |
وأراد فلو أنها نفس تموت لعيب غير أنه حذف الجواب اعتمادا على اقتضاء الكلام له. ولم يصح ورود تقديم جواب لو لا عليها ؛ فكان ممتنعا.
وعلى هذا : فجواب (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) (٤) المحذوف : لزنا بها.
قولهم : معنا ما يدل على عدم ذلك ممنوع ، وقوله ـ تعالى : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ) (٥) فالمراد به ما سوى الهمّ بها وإلا كان جواب لو لا متقدما عليها ، ومن غير لام ؛ وهو ممتنع كما سبق.
__________________
(١) سورة الصافات ٣٧ / ١٤٣ ، ١٤٤.
(٢) سورة النور ٢٤ / ٢٠.
(٣) ديوان امرئ القيس ص ١٠٧. سبقت ترجمته.
(٤) سورة يوسف ١٢ / ٢٤.
(٥) سورة يوسف ١٢ / ٢٤.