قولهم : إنهم إنما سألوا ليعلموا / لا أنهم ذكروا ذلك على طريق الاعتراض.
فهو ممتنع لوجهين :
الأول : أنه أجابهم بقوله ـ تعالى ـ : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (١) ، ولو كان ذلك منهم على طريق الاستعلام ؛ لما حسن الجواب بمثل هذا الجواب ؛ بل كان الواجب أن يجاب بنعم ، أو لا.
الثانى : قال مقاتل (٢) : المراد من قوله ـ تعالى ـ : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٣) : أى فى قولكم : إنى جاعل فى الأرض من يفسد فيها ؛ فدل ذلك على أن قولهم : إنما كان ذلك بطريق الإخبار ، لا أنه كان بطريق الاستعلام.
وبهذين الوجهين يبطل أيضا ما ذكروه من الوجه الثانى : أنهم ذكروا ذلك على طريق الإثبات تصديقا لله ـ تعالى ـ فيما أخبرهم به ، ويزيد وجه آخر وهو أنه لم ينقل من قوله ـ تعالى ـ غير قوله : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (٤). الآية فتقدير كلام آخر غير منقول ، ولا دليل يدل عليه ؛ ممتنع.
وبما ذكرناه من الوجهين الأولين يندفع قولهم : إنما ذكروا ذلك على طريق التعجب عند أنفسهم.
قولهم : إنما قالوا : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) (٥). على سبيل التذلل ، والخضوع.
قلنا : العادة جارية بأن من قال فلان فاسق ، ومرتكب الذنوب وأنا أعبد الله ولا أعصيه ، أنه إنما يذكر ذلك على طريق التعظيم والترفع ، ولذلك نستقبح منه ذلك فى العرف والعادة ، ولو كان كما ذكروه ؛ لما كان ذكره مستقبحا ، وإذا كان ذلك هو الظاهر من كلامهم ؛ فالعدول عن الظاهر إلى غيره من غير دليل ممتنع كما ذكروه من المعارضة فى الوجه الأول.
__________________
(١) سورة البقرة ٢ / ٣٠.
(٢) مقاتل بن سليمان : هو ابن بشير الأزدى الخراسانى ، أبو الحسن البلخى صاحب التفسير. ولد مقاتل ببلخ ومات فى خراسان سنة ١٥٠ ه من أعلام المفسرين (وفيات الأعيان ٢ / ١١٢ وتاريخ بغداد ١٣ / ١٦٠).
(٣) سورة البقرة ٢ / ٣١.
(٤) سورة البقرة ٢ / ٣٠.
(٥) سورة البقرة ٢ / ٣٠.