ليس كذلك : بل الحافظ لهم عنها ، والمقدر لهم عليها : إنما هو الله ـ تعالى ـ وليس لأحد من المخلوقين تأثير فى إيجاد فعل ، أو عدمه كما سبق.
كيف وأن ما ذكروه مما لم يذهب إليه أحد من أهل التفسير.
وقوله ـ تعالى ـ : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) (١).
فليس فيه ما يدل على تفضيل الملائكة على الأنبياء ، والتقديم فى الذكر ؛ لم يقصد به بيان فضيلة المتقدم فى الآية على المتأخر فيها بدليل أنه ـ تعالى ـ ذكر الكتب بعد الملائكة ، وقبل الرسل ولا يخلوا : إما أن يكون المراد بالكتب : الكلام النفسانى القديم ، أو العبارات الحادثة الدالة عليه.
فإن كان الأول : فلا يخفى أن الكتب تكون أفضل من الملائكة ، وقد أخرها فى الذكر عن الملائكة.
وإن كان الثانى : فلا يخفى أن الأنبياء أفضل من العبارات الدالة على الكلام القديم ، وقد قدمها على الأنبياء فى الذكر ؛ بل أمكن أن يقال إن الآية إنما وردت فى معرض الثناء على المؤمنين بالإيمان ، ولا يخفى أن الإيمان بما هو أخفى يكون أفضل. ووجود الملائكة أخفى من وجود الرسل ؛ فكان الإيمان بهم أدل على طواعية المؤمن ، وانقياده ؛ فكان تقديم الملائكة لفضيلة الإيمان بهم ، لا لفضيلتهم. والله ـ تعالى ـ أعلم.
وقوله ـ تعالى ـ : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) (٢) ، فليس فيه ما يدل على أن الملائكة أفضل ؛ بل إنما وقع الترتيب فى الذكر على وفق الترتيب فى الوقوع ، ولا يخفى أن اتخاذ الملائكة رسلا مقدم على اتخاذ البشر رسلا ؛ فكان تقديمهم فى الذكر لذلك.
وقولهم : إن الملائكة أعلم من الأنبياء.
__________________
(١) سورة البقرة ٢ / ٢٨٥.
(٢) سورة الحج ٢٢ / ٧٥.