والشك والارتياب ، فقد ورد في ذلك الوعيد الشديد ، وأمر تعالى بالولاء والبراء حتما واجبا ، وفرضا لازبا ، ولا يكون البراء والولاء إلا بإظهار الأحكام على كل واحد من الفريقين بما حكم الله تعالى عند التمكن من ذلك لفظا ، وإمضائه عليه عند القدرة فعلا ، فقد أخبر تعالى أن من فريق المؤمنين من شك وتوقف عند إمضاء الحكم على الكافرين خيفة من دائرة أن تكون للكافرين فيها دولة فتنال من المؤمنين مضرة مجحفة ، ووعد تعالى بالفرج والفتح فقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فخاطبهم (١) بلفظ الإيمان ، وهو لفظ تعظيم وتشريف ، ولم يقل تعالى إلا حقا : (لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ) [المائدة : ٥١ ، ٥٢] المرض هاهنا هو الشك والارتياب ، لا الكفر ؛ لأنه خاطبهم بلفظ الإيمان في أول الآية ، والكتاب الكريم محروس من التناقض ، ومسارعتهم فيهم رفع المضار عنهم ، والمدافعة دونهم ، بدليل قوله تعالى : (يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ) [المائدة : ٥٢] والذين أسروا في أنفسهم وهو مخافة دولة المشركين التي كفاه الله سبحانه بالفتح ، والأمر من عنده الذي هو الشهادة أو هلاك الكافرين بعذاب من عنده ، فإنه يكون نصرا ولا يكون فتحا ؛ لأن الفتح لا يكون إلا لما [تولوه] (٢) لأنفسهم وأعانهم الله تعالى عليه ، يقول تعالى إنهم حرموا أنفسهم الغنيمة من الوجهين مما أفاء الله تعالى عليهم من أموال الكافرين وسباياهم ، وما كان يدخر عليهم (٣) على إمضاء ذلك وإنفاذه من الثواب ؛ فأصبحوا نادمين في الآخرة إن
__________________
(١) في (أ) : خاطبهم.
(٢) في (أ) : يأتوه.
(٣) في (ب) : يدخر لهم.