يضطاف أحد الخصمين دون صاحبه ، بل يساوي بينهما في كل حال من قول وفعال ، ويستوي فيه المنصوب وغير المنصوب ؛ لأن من تراضيا به فهو حاكمهما ، وعليه أن يعدل فلا فرق في ذلك بين المنصوب وغيره ، ويجوز للإمام أن يأذن في ذلك ، والدليل عليه أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أذن لمعاذ في قبول الهدية ، وقد قال : «هدايا الأمراء غلول» (١) والغلول هو الحرام ، فلو كانت الضيفة حراما وأذن فيها الإمام لجازت ، وأهدي لمعاذ ثلاثين رأسا من الرقيق في حال إمارته في اليمن ، فلما رجع المدينة بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حاول أبو بكر انتزاعهم إلى بيت المال فكره وقال : طعمة أطعمنيها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ فأتى وهم يصلون فقال : لمن تصلون؟ فقالوا : لله. قال : قد وهبتكم لمن صليتم له. فأعتقهم وكان رحمهالله سهلا ، فهذا أصل كما ترى ، وقد قال [عليّ] (٢) عليهالسلام في رسالته إلى عمال الأطراف : ضموا أطرافكم ، وافعلوا واصنعوا ، وحذرهم من معرة جيشه وهم رعية ، وقال فيه : وأنا أبرأ من معرة الجيش إلا من جوعة إلى شبعة ، وفي رواية أخرى : إلا من شبعة المضطر (٣). فهذا كما ترى توسع ؛ لأنها لو كانت محظورة لأدخلها في التبري
__________________
(١) حديث : «هدايا الأمراء غلول» عزاه في (موسوعة الأطراف النبوي) ١٠ / ٩٥ ، إلى البيهقي ١٠ / ١٣٨ ، و (التمهيد) لابن عبد البر ٢ / ٩ ، ١٠ / ١٦ ، و (إتحاف السادة المتقين) ٦ / ١٦٢ ، ١٦٣ ، و (تلخيص الحبير) ٤ / ١٨٩ ، و (مجمع الزوائد) ٤ / ١٥١ ، وهو في مصادر أخرى ، وبألفاظ أخرى في الموسوعة ١ / ١٩٥ ، ١٩٦.
(٢) سقط من (أ).
(٣) هو في (نهج البلاغة) الكتاب ٦٠ بلفظ : ومن كتاب له ـ عليهالسلام ـ إلى العمال الذين يطأ الجيش عملهم : من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من مر به الجيش من جباة الخراج وعمال البلاد ، أما بعد : فإني قد سيرت جنودا هي مارة بكم إن شاء الله ، وقد أوصيتهم بما يجب لله عليهم من كف الأذى وصرف الشذي ، وأنا أبرأ إليكم وإلى ذمتكم من معرة الجيش ، إلا من جوعة المضطر ، لا يجد عنها مذهبا إلى شبعة ، فنكلوا من تناول منهم شيئا ظلما عند ظلمهم ، وكفوا أيدي سفهائكم عن مضارتهم ، والتعرض لهم فيما استثنيناه منهم. وأنا بين أظهر الجيش ، فارفعوا إلي مظالمكم وما عراكم مما بلغكم من أمرهم ، وما لا تطيقون دفعه إلا بالله وبي ، فأنا أغيره بمعونة الله إن شاء الله.