تدبير الحرب أوجب هذا ، ولا أعود إلى شيء تكرهه.
فهذه أحكام كما ترى بين أهل البيت تختلف ، وقد وقع الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم وبين التابعين ، وهو باق بين أهل العلم إلى الآن ، لا يفسق فيه ولا يكفر فيه ذو معرفة ، بل هو سعة ورحمة.
وأما المسائل التي لا يجوز الخلاف فيها ، ولا يسمع فيها اجتهاد فهي مسائل الأصول ، وما علم من دين النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ضرورة ، وما اجتمعت عليه الأئمة ، وما عدا ذلك يجوز فيه الاجتهاد لمن جمع شرائط الاجتهاد ، وإجماع العترة عليهمالسلام حجة بأقوى الأدلة ، وقد ذكرنا ذلك فيما وضعنا من كتب أصول الفقه ، وأجوبة السائلين ؛ وعلمنا من أهل البيت عليهمالسلام أنهم لم يقطعوا بفسق من خالف في شيء من إجماعهم ، وقطعوا على فسق من خالف جميع الأمة الذين سادتهم ، فحصل لنا من علمهم هذه الفائدة في أن مخالفيهم (١) في الفقهيات لا يقطع بفسقهم ، ولو لا ذلك لقطعنا بفسق من خالف إجماعهم على أبلغ الوجوه ؛ لأن الدليل على أن إجماعهم حجة إن لم يكن أقوى من إجماع الأمة فليس بأضعف ، ومن نظر ما سطرنا فيه علم صحة ما قلناه.
وأما الذي أوجب اختلاف نظر الأئمة عليهمالسلام وعلماء الأمة ؛ فإنما هو رحمة الله تعالى ، وتوسعة عليهم بأن جعل الأدلة الشرعية محتملة ، فصار لا يسمع أن يبدو للإنسان ما لا يبدو لصاحبه ؛ لأن أدلة الشرع الشريف أمارات تنتهي إلى غالب الظن بخلاف الأدلة العقلية ، وقد يتقوى ظن أحد المكلفين لأمارات لا يتقوى لها ظن الآخر ، وهذا معلوم لمن كان يعرف هذا الشأن ، وقد يصل إلى أحد المجتهدين من الآثار النبوية ما لا يصل إلى الآخر ، لسعة العلم فيقضي ما لا يقضي به الآخر ، والكل فيه أجازه الشرع الشريف زاده الله جلالة وعزا وهو مأخوذ عن خاتم
__________________
(١) في (أ) و (ب) : مخالفتهم ، والصحيح مخالفيهم.