العقول نورا ، ويرد الطرف خاسئا حسيرا ، كسرت من طرفها ، وطامنت من أنفها ، وقبضت من كفها ، وسلمت إليه القياد ، وقالت : هيت لك يا خير هاد ، حطت رحلها بحيث حط الفضل رحله ، وصارت إلى من صار للعلماء قبلة ، وكان يومئذ مشغولا بتصانيف وأجوبة ، لا يقوم بها سواه ، ولا ينهض [بعبئها] (١) إلا إياه ، دفعها إليّ ، وقال: حلّل عقدها ، وقوّم أودها ، وكنت قد اغترفت من تياره غرفة طالوتية ، أفرغت علي صبرا ، ومنحتني على المناضل نصرا ، فتأهبت لامتثال الرسم العالي ، على كثرة أشغالي ، وقلة إيغالي ، مستعينا برب أزلي ، قديم أبدي ، فما العون إلا من عنده ، وما التوفيق إلا بيده ، وجاءت معصوبة تذكر مساوئ أهل العصر في الدعاوي ، مع خبطهم في المغاوي ، وذلك حق اليقين ، في أكثر العالمين ، إلا الذين استثناهم الكتاب المبين ، في قوله عز من قائل : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) [آل عمران : ٧] ، وقوله : (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) [العنكبوت : ٤٣] ، وقوله : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء : ٨٣] ، وقوله : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل : ٤٣] (أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ) [النور : ٢٦] ، (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) [يوسف : ٧٦] ، وللعلم حفظة في جميع الأعصار ، ما اختلف ليل ونهار ، ودار فلك دوّار ، يحمون سرحه عن أسود الكفر والجحود ، ويهتكون بقواضب حججهم سرادقات الشبهات السود ، يصمون أوابد المشكلات ولا ينمونها ، ويرمون أعراض المعضلات فلا يخطئونها ، أولئك أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، بصائرهم موهوبة من عنده ، لما أراد من غلب جنده ، وصدق وعده ، قال وهو أصدق القائلين : (وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) [الصافات : ١٧٣] ، والعلماء ورثة النبيين ، والشهداء يوم الدين ، كما روي عن الصادق الأمين ـ صلوات الله عليه وعلى آله الأكرمين : «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ،
__________________
(١) في (أ) : لعلها بغيرها ، وفي (ب) : بعبئها وهو الأصح.