أما الدليل على الأصل الأول وهو أنه عالم فلأن الفعل المحكم قد صح منه ، والفعل المحكم لا يصح إلا من عالم ، أما الذي يدل على [أن] المحكم قد صح منه ؛ فلأنه قد وقع منه ووجد ولا يجوز وجود ما لا يصح وجوده بحال ، ونعني بالفعل المحكم ما أوجده من عجائب مصنوعاته ، وغرائب مبتدعاته ، الناطقة بلسان الإحكام على توحيده ، الشاهدة بدليل [الابتداع] (١) على [تحميده] (٢) ، كالحيوانات المؤلفة أحسن تأليف ، والمركبة أحسن تركيب ، وأعضائها الظاهرة والباطنة ؛ فإن في ذلك ما يدل على حكمة فاعله ، وعلمه على وجه لا يمكن عاقلا دفعه ؛ وأما أن من صح منه الفعل المحكم وجب أن يكون عالما ، فما يعلمه في الشاهد من القادرين إذا حاولا إيجاد فعل محكم كالكتابة مثلا ، فبانت من أحدهما محكمة دون الآخر ، فإنا نعلم أن بينهما فرقا ، ولأحدهما مزية على الآخر ، لو لا ذلك لم يكن أحدهما بصحة ذلك منه أولى من الآخر لفقد التفرقة ، وتلك المزية هي التي عبر عنها أهل اللغة بأن سمو من صحت منه الكتابة المحكمة عالما دون الآخر ، وقد صح من الباري الأفعال محكمة على أبلغ وجوه الإحكام ، فثبت أنه عالم ، وإذا ثبت أنه عالم فلا يخلو إما أن يكون عالما لذاته أو لغيره ، والغير لا يخلو إما أن يكون مؤثرا على سبيل الصحة وهو الفاعل ، أو على سبيل الإيجاب وهو العلة ؛ والعلة لا تخلو إما أن تكون موجودة أو معدومة ؛ والموجودة لا تخلو : إما أن تكون محدثة أو قديمة ، والأقسام كلها باطلة إلا كونه عالما لذاته ، وذاته مع المعلومات على سواء ، فلا يخلو إما [أن] (٣) يعلم كلها أو [يعلم] (٤) بعضها ، أو لا يعلم شيئا منها ، محال أن لا يعلم شيئا منها ؛ لأنه قد ثبت أنه
__________________
(١) في (ب) : الإبداع.
(٢) في (ب) : على تمجيده.
(٣) سقط من (ب).
(٤) سقط من (أ).