عالم بما قدمنا ، ومحال أن يعلم بعضها دون البعض ؛ لفقدان المخصص ؛ فلم يبق إلا أن يعلم جميعها ؛ وينبغي أن تبطل الأقسام الأولة بأدلة مختصرة فنقول : لا يجوز أن يكون عالما بالفاعل لأنه لا فاعل له ؛ لأن ذلك الفاعل إن تقدم على الباري انتقض كون الباري سبحانه قديما ؛ لأن ما تقدمه غيره فهو محدث ، وكان الكلام ينتقل إليه أيضا ، وإن تقدم عليه الباري انتقض كونه فاعلا ؛ لأن من حق الفاعل أن يتقدم على فعله ؛ لأن صحة فعله مترتبة في الوجود عليه ، ولا يجوز أن يكون عالما لعلة معدومة ؛ لأنه كان يجب أن نكون عالمين بتلك العلة ، كما أن الباري سبحانه عالم بها لفقد الاختصاص ؛ لأنها ليست بأن توجب له كونه عالما أولى من أن توجب لنا كوننا عالمين ؛ لأن المعدوم لا يختص بذات دون أخرى ، والعلة إنما توجب بشرط الاختصاص ؛ والمصحح فيه وفينا على سواء وهو كوننا أحياء ، والشرط حاصل فيه عزوجل وفينا ، وهو الوجود ، فكان يجب إن أوجبت له أن توجب لنا ، فكان يجب فينا أن نعلم جميع المعلومات وذلك محال ، ولا يجوز أن يكون عالما لعلة موجودة ؛ لأنها كانت لا تخلو إما أن تكون قديمة أو محدثة ؛ لأن الموجود لا يخلو إما أن يكون لوجوده أول فهو المحدث ، أولا أول لوجوده فهو القديم ، وباطل أن يكون عالما لعلة قديمة لأنه لا قديم سواه ، ولأنها لم تكن بأن توجب له كونه عالما أولى من أن يوجب لها كونها عالمة ، لأنهما قديمان ، فما جاز على أحدهما جاز على الآخر مثله ، وذلك يؤدي إلى أن يكون علة ومعلولا ، ويؤدي إلى وجود إله معه ، وباطل أن يكون عالما لعلة محدثة ؛ لأنها كانت لا تخلو إما أن تكون من فعله أو من فعل غيره ، ولا غير عالم قبل كونه عالما ؛ لأن من سواه من الفاعلين محدث على وجه يدل على كون فاعله عالما ، وإذا أحدثها فلا يخلو إما أن يكون عالما أو ليس بعالم ؛ فإن كان عالما استغنى عن إيجاد ما به يعلم ، وإن لم يكن عالما لم يصح منه إيجاد علة