يجردها الاعتبار الصادق ، وإرادة (١) حقيقة أخرى فثبت أن المثنوية بحقيقتين والمثنوية تبطل التوحيد والقدم (٢).
الجواب عندنا : إنه تعالى مريد ولا بد من ذلك لما ذكرنا ، لأنا لا نفصل بين التهديد والأمر والنهي إلا بعد إثباته تعالى مريدا ، ألا ترى أنه [لا] فرق بين قوله تعالى : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) [سبأ : ١٣] ، وبين قوله سبحانه وتعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) [فصلت : ٤٠] ، لأن كل واحدة منهما صيغة أفعل ممن هو أعلى رتبة لو لا الإرادة في أحدهما والكراهة في الأخرى ، وكذلك لا فرق بين التهديد ؛ لأن كل واحد منهما صيغة لا تفعل ، ولا فرق بين ذلك إلا بالإرادة أو الكراهة (٣) ، فقد ثبت بما ذكرناه وذكره أنه لا بد من كونه مريدا ، فلا يخلو إما أن يكون مريدا لذاته أو لغيره ، وباطل أن يكون مريدا لذاته ؛ لأن ذاته مع المرادات على سواء ، فكان يجب أن يريد جميع المرادات ومن جملتها القبائح.
وقد ثبت أن الله تعالى كاره للقبائح ، فلا يجوز أن يريدها مع ذلك ، وإذا كان مريدا لغيره ، فالغير لا يخلو إما أن يكون مؤثرا على سبيل الصحة وهو الفاعل ، أو على سبيل الإيجاب ، وهو العلة ، باطل أن يكون مريدا بالفاعل ؛ لأنه لا فاعل للقديم تعالى ، لما تقدم بيانه ، وإذا كان مريدا لعلة فهي لا تخلو إما أن تكون معدومة أو موجودة ، لا يجوز أن يكون مريدا لعلة معدومة ؛ لأن ذلك يوجب أن نكون مريدين بها لفقد الاختصاص ، فكان يجب أن نكون مريدين لجميع ما أراداه تعالى ، ومعلوم أنه تعالى يريد ما لا نريده ، بل ما نكرهه كالعذاب وما شاكله ، ويريد ما لا
__________________
(١) في (ب) وازادة.
(٢) كذا في النسختين.
(٣) في (أ) : والكراهة.