كان مستوليا على غيره أنه إذا قدر على العرش وملكه مع عظمه فبأن يقدر على ما دونه أولى وأحرى.
ويكون هذا نازلا منزلة قوله تعالى : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم : ٢٧] يريد الإعادة ، فكأنه إذا قدر على الابتداء فهو على الإعادة أقدر ، ممثلا لهم بما يقرب إلى أفهامهم ، وإلا فليس على قدرته عزيز ولا عسير تعالى عن ذلك ، ويكون معنى الثمانية أحد الوجوه التي قدمنا ، ويكون ويحمل عرش ربك الحمل الحقيقي الذي هو بمعنى الإقلال ، وقد ورد في الحديث : «تحت ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله رجل خرج من بيته فأسبغ الطهور ، ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله [فهلك] فيما بينه وبين ذلك ، ورجل قام في جوف الليل بعد ما هدأت العيون فأسبغ الطهور ، ثم قام إلى بيت من بيوت الله ، فهلك فيما بينه وبين ذلك» (١) والظل لا يكون إلا لجسم كثيف عال ، ويجب حمله على حقيقته ؛ لأنه لا ملجئ إلى تأويله ، ويكون حمل الملائكة له بحيث لا يلحقهم تعب ولا نصب ، بل يزدادون بذلك محلا ، ويحوزون به [شرفا] (٢) ويستلحقون به لذة ، ويحسون (٣) به سرورا وراحة.
وكلامنا في هذه المسألة إنما يقع مع من أثبت إلها قادرا ، عدلا حكيما ، يعلم أن أمره إذا أراد شيئا أن يقول له : كن فيكون.
فأما من نفى الباري على هذا الحد ، وتأول الشريعة على غير معانيها التي وضعت لها ، وفسر العرش والكرسي والأفلاك بالأملاك ، وفسر الأملاك بغير ما
__________________
(١) حديث تحت ظل العرش. رواه الإمام الهادي في الأحكام.
(٢) سقط من (أ).
(٣) في (أ) و (ب) : ويحتسون.