القصد وانتفاء العبث.
الجواب : اعلم أن الواجب على المكلف أن يعلم أن الله تعالى لا يفعل فعلا إلا لحكمة تحسن ، وإن لم يعرف وجب عليه التسليم ولم تلزمه المناقشة عن الوجه.
ألا ترى أنا لو هجمنا على آلة صانع قد قضينا له بالحكمة في صناعته فرأينا اختلاف تقديرها وحجومها في الصغر والكبر ، والغلظ والرقة أنا نقضي أنه ما فعل شيئا منها على ذلك الوجه إلا لغرض يخصه ، وإن لم نعرف ذلك الغرض فالباري سبحانه أولى بتسليم الحكمة له ، والقضاء بأنه لا يفعل إلا ما يتعلق به الصلاح ، ويلازمه الحسن ، وقد بينا أن الكلام في هذه المسألة لا يقع إلا مع من أثبت للعالم إلها قادرا عدلا حكيما لا يفعل فعلا إلا لحكمة ، وقد انتفى كون خلقهما عبثا ، فهذا هو الكلام في هذه المسألة على وجه الجملة.
وأما الكلام على وجه التفصيل فنقول : إن المراد بخلقهما اعتبار المكلفين من الملائكة وغيرهم من المتعبدين ، فاعتبار الملائكة بما يعاينوه فيهما من آثار الصنعة ، ومواقع الحكمة ، وطرائق القدرة ، فيكونون مع ذلك أقرب إلى فعل الطاعة والانقياد للعظمة ، ولا شك أن الفعل الذي يكون مقربا للمكلف من فعل الطاعة وترك المعصية حسن تحكم بحسنه العقول السوية.
وأما الجن والإنس فتعلقت مصلحتهم بأن يعلموا من جهة السمع أن له سبحانه عرشا وكرسيا في مقدار من الجسمية عظيم ، وأنه حافظ لهما ، وممسك لهما أن يزولا عن أماكنهما ، وأن ينحطا على ناحيتهما بغير علاقة ولا عمد ، مع أنهما في غاية من العظم ولم يشغله ذلك عن حفظ السماوات والأرض وما بينهما ، ولا آده ـ بمعنى هاضه وبهضه ـ حفظهما ، وهو العلي عن ظلم عباده ، العظيم عن لحوق السآمة ، ولا شك أن العاقل إذا سمع بعظم اقتدار ملكه وشدة حفظه لملكه مع سعته