الجواب عن ذلك : إن الله تعالى [بعدله] (١) وحكمته لم يمكّن أحدا من المكلفين من الإضرار بالغير إلا وهو قادر على الانتصاف للمظلوم من ظالمه ، ولا يجوز أن يقع الانتصاف للمظلوم بتعذيب الظالم ، لأنه لا نفع له في ذلك فلا بد من وصول نفع إليه ، ولا نفع في الآخرة إلا ما يستحقه الظالم (٢) من العوض ، والمستحق على الله تعالى من العوض لا بد أن يوفى على ذلك أضعافا مضاعفة ، بحيث لو خير العبد بين حصول الألم أو الحادثة التي توجب تضاعف الغم ، وكشف له الغطاء عن العوض لاختار نزول الحادثة والألم لمكان ذلك العوض ، وقد علمنا أنه لو أعطي في ولده قناطير مقنطرة من الذهب لاختار الولد عليها ، وكذلك لو اشتد به الألم وقيل له : البرء يحصل بالخروج من الممالك الخطيرة لسمح بها لحصول العافية ، فلا بد أن يكون عند الله سبحانه في مقابلة ذلك ما يوفي عليه أضعافا مضاعفة وإن قلّ في نفوسنا ، والذي يجب عليه للعباد هو مقدار ما نقصهم به من غير زيادة على ذلك ، فلا بد [من] (٣) أن يوفي الله سبحانه المظلوم من الظالم ، ولا يجوز أن يمكّنه من الظلم ما لم يكن له ما يوفي خصومه ؛ لأنه لا يجوز أن يخيّر الله سبحانه [من] (٤) عبده لأنه يكون إغراء بالمعاصي ، ولا يجوز إهماله وتركه من الإنصاف لمثل ذلك ، ولا يجوز تعذيبه للآخر لأنه لا ينتفع بعذابه ، فلم يبق إلا ما قلنا ، والعوض يكون للعاصي والمطيع لأن الله تعالى عدل في الجميع ، وكل ألم أو غم لا يكون عقوبة لا بد فيه من عوض وإلا كان ظلما ، ولا يكون عقوبة إلا أن يعلم الله سبحانه المكلف بأن هذا عقوبة ، كما قال الله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء : ١٥] لأن
__________________
(١) في (ب) : لعدله.
(٢) كذا في النسختين ولعله : المظلوم.
(٣) سقط من (ب).
(٤) زيادة في (ب).