إيصال الضرر إليهم من غير إشعار بأنه مستحق يؤدي إلى اعتقادهم في الله سبحانه وتعالى القبيح ، وأنه أخذهم بما لا يجب عليهم ، ولا يجوز من الله سبحانه تعرض العباد لاعتقاد القبيح.
فإن قيل : ومتى يحصل العوض للكافر والفاسق فما نفعه له؟
قلنا : يسقط منه من العقاب بقدره.
قالوا : فهل يلتذ بذلك؟
قلنا : لا ، وليس المراد لذته ، المراد استيفاء حقه ، كما أن الإنسان لو كان عليه للغير قيراط أو مثقال ودفعه إليه خرج من عهدة ما لزمه ، وإن لم تظهر نفاعة صاحب الحق فالمراد وصول حقه إليه ، ومثال ذلك أن يكون يستحق في كل وقت مائة جزء من العذاب ويسقط عنه العوض الذي كان استحقه جزء في كل وقت فيعذب بتسعة وتسعين جزءا إلى نهاية استيفاء عوضه ، ثم يرجع عليه المائة الجزء كما كانت أولا فهو في حالة استيفاء العوض يعذب ، وبعد استيفائه معذب ، وقد علمنا وصول حقه إليه ، فهذا هو العدل اللائق بالحكمة ، ولا يتسع الوقت لأكثر من هذا في هذه المسألة ، وإنما قلنا لا بدّ من تضاعف العوض الحاصل من قبل الله تعالى إلى حد يختار جميع العقلاء الضرر النازل لمكان ذلك العوض يقع من الله سبحانه وتعالى على العبد بغير مراضاة وهو حكيم ، فلو أنه أعطى مقدار الألم لكان ذلك عبثا ينافي الحكمة ، كما لا يجوز أن يحرق أحدنا ثوبا لصاحبه يساوي دينارا ، ثم يعطيه دينارا ، فإن كسر له إبرة لغرض صحيح ، ثم أعطاه عشرة دنانير لم يعد ظالما عابثا ؛ لأنه أعطاه ما لا يختلف العقلاء أنه أصلح له.