وقال قائل ثالث : إنه يقدر على الجميع ولا مانع منه ، فيجوز إحداث أجزاء في الحال وإضافة أجزاء إلى أجزاء أيضا ، وفي الشرع ما يحتمل الأمرين ولم يقطع على واحد منهما فما الصحيح؟
الجواب عن ذلك وبالله التوفيق : إن الآيات التي فيها ذكر الخلق والطين ومن الأرض ومن التراب ، المراد به آدم عليهالسلام ، وإنما ذكرنا لأنه أبونا وأصلنا ، وإلا فالمعلوم من حالنا خلاف ذلك ؛ لأنا من النطف وليست بطين ، ولأن عيسى عليهالسلام من غير نطفة ، وقد قام الدليل بأنه تعالى الخالق ، ولا ملجئ إلى القول بأنه خلقها من التراب والأرض ؛ لأنه لا يفتقر إلى ذلك ولأن الأرض مخلوقة أيضا ، فمم هي؟ فإن أحدثها من غير شيء ألفها منه فكذلك الحيوان فهو دونها.
وأما قول من يقول بمساواة الأرض للجبال فلا يستقيم ؛ لأن هناك حكيم مدبر لبريته ولم يخلق السهول سهولا والجبال جبالا إلا لحكمة لا يسد غيرها مسدها في بابها ، فهو الداعي بحاله فهو يمنع السهول من الزيادة بلطف تدبيره ، والجبال من الزوال لحكمته ، والمشاهدة تصف لك لا مصورا وبين جبلين من رمل ، والنيل يطرح فيه كل سنة من الذراع إلى الذراعين وأكثر طينا جيدا ، ولا يخرج منه شيء إلى جهة أخرى بالمشاهدة ، ولو لا لطفه لكان اليوم قد بلغ السماء علوا.
فكل هذه الأشياء التي تعلقت بها (الطبعية) و (المطرفية) أخزاهم الله سبحانه صدودا عن الصانع تعالى ، والأدلة تردهم إلى ما كرهوا ، ويخزيهم الله سبحانه بها إن تمردوا ، ولا تكليف علينا إلا في إثبات أن الله صنعه ، فأما أنه خلق شيئا من شيء فلا يلزمنا ، فإن تعلقت بذلك مصلحة فعله تعالى لأجلها ، فإما أن هناك حاجة وملجئ إلى خلق شيء من شيء وهو يتعالى عن ذلك علوا كبيرا.
وأما محاولة من حاول المنعم من الأمة أو علل بكثرة الأجزاء فلا يستقيم له ذلك ، فهذا ما يصح عندنا في هذه المسألة والله الهادي.