ومعلوم لمن تأمل أن المصلحة لبيت المال في مخالطته.
ومنها أنك تعلم أنما به سنة تمر إلا ويحصل من الزرائع ما لو قصر على من تلزم نفقته لقام بهم وفاض عليه بأضعاف كثيرة ، فإذا تأملت ذلك صار علما ضروريا ، ثم انظر مصرفه وهل جعل لخاصة النفس أم أجري مجرى المال العام ، وللإمام أن يقرض بيت المال ويستقرضه بالنية ، وقد جعل عثمان بمشهد من الصحابة وصاحباه من قبله فلم ينكر عليهم فكان إجماعا ؛ وإنما كان من عيبهم على عثمان أنه لم يقض ، وما يخرج بحمد الله إلا بنية سلف بيت المال ، فإن صار إلينا شيء بمنزلة القضاء.
ومنها أنك تعلم ويعلم من عاشرنا أنما به مدة تمرّ إلا وننفق [منها] (١) مما تحصل من النزل جملة من المال ومن النذور ، ولا يخرج منه الدرهم إلا بنية السلف ، ونريد بذلك التحرز من سطوة الباري سبحانه مما لا يقطع فيه التفريط ، أو لملجئ إليه ، ومن يوم طلعنا هذه المدة القريبة قد خرج مما يخصنا أكثر مما صار إلى من يختص بنا بشيء كثير فيما نعلمه ؛ لأنا لا نختص بالإنفاق من أيدينا إلا ما هو لنا لأمور يعلمها الله سبحانه منها ما قدمنا ، وهذا فيما يختص بالوقت ؛ فلو أضفنا الجمل بعضها إلى بعض على مرور الأيام استغرقت أجزل بيت المال الذي يقرب منا وننفقه مع الحضور في أكثر الأحوال له ، فتأمل هذه الوجوه ويكفيك منها وجه واحد إن شاء الله تعالى ، وإنما نكثرها لسكون النفس ورتبناه لنفوسنا فيما بيننا وبين ربنا ، فلما احتجت أشركناك فيه لوجه الله سبحانه ؛ لأن الواجب على المسلمين أن يحاسبوا نفوسهم قبل أن يحاسبوا.
__________________
(١) في (ب) : فيها.