وأثناء محاوراته يشكو من القوم تقدمهم وأنه أولى بالأمر منهم ، ويظهر أنه أغضى صبرا واحتسابا ونظرا للدين مخافة انشقاق العصا مع تربص أهل النفاق وقوة أهل الردة وقربهم من المدينة ، وكانت الردة في سليم ، وتميم ، وأسد ، وحنيفة ، وعمان ، وغطفان ، والبحرين ، ومهرة ، وحضر موت في كندة وألفافها ، والجند ، فلم ير إلا ترك الشقاق نظرا للدين ، وحسن قصد القوم في تحري قوة الإسلام ، وتعظيم حاله والرمي من وراء حوزته ، وبذل الوسع في تقوية قواعده ، ولم يقع الخلل إلا فيما يتعلق بحقه عليهالسلام فصبر واحتسب نظرا لصلاح الأمة وتحريا لقوة الإسلام ، ولم يظهر منه سبّ ولا ذمّ للصحابة في خاصة ولا عامة ولا رضا ولا غضب ، ونقول في معصيتهم إنها صحيحة ، ولا نقطع بكونها كبيرة ولا يتضح لنا كونها صغيرة ، فنردّ أمرها إلى الله إلا أنها لا تقطع بكبرها ، والكبيرة توجب الفسق ، والفسق لا يكون إلا بالنصّ ولا يثبت بالقياس ؛ لأن مقادير الثواب والعقاب لا طريق لنا إلى العلم بها.
وأما أنّا لا نقطع بصغرها فلأن الصغيرة ثواب صاحبها في كل وقت أكثر مما يستحق من العقاب في كل وقت ، وهذا لا طريق لنا إليه ، وقد قدموا على رب كريم فإن عفا عنهم فلحميد سوابقهم وعظم إحسانهم ولما تحملوا من الأثقال في معاداة الأسود والأحمر في نصرة الدين ، وإن عاقبهم فما ربك بظلّام للعبيد وهو على خلقه غير متهم ، ولا مستخان في حكمه إن حكم.
وأما الفصل الثالث : مذهبهم في الإمامة في وقت الصحابة قد تقدم ، وأن الإمام عندهم بلا فصل علي بن أبي طالب عليهالسلام.