وقوله : كل غريب ـ يريد غريب الذل من صفات النساء فقلدنا عار السبي ـ إلى آخر الدهر فهذا كما ترى من أقوالهم واعترافهم بما جرى عليهم من السبي يبين لذي البصيرة أنا اتبعنا وما ابتدعنا (١) ، وفيه تكذيب لمن يقول : إن أهل الشهادتين لا يقع فيهم السبي جهلا منه بأصول العلم وفروعه ، ومعقول البيان ومسموعه ، ولقد علم أهل العلم أن من عجائب مسيلمة الكذاب أن مهر سجاح الكذابة الملعونة لما تزوجها صلاة العشاء الآخرة والفجر لها ولقومها (٢) ، وكان هو وقومه غير تاركين لشيء من الصلوات حتى أخزاهم الله بسيوف الحق وأيدي المحقين ، وهذا السبي بعد محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم في أمته بلا خلاف بين أهل العلم في ذلك (٣) ؛ فقد رأيت كيف قاسم المسلمون قتبان الطعان من ربيعة ونزار ، أولادهم أخذوا بنتا وتركوا بنتا ، وأخذوا ابنا وتركوا ابنا ، ولو لا الصلح أخذوا الجميع ؛ لأن الذي حل به النصف يحل به النصف الآخر ، وإنما لبست الفرقة الملعونة على العوام الجهّال ، وشوشت باسم الإسلام واسم الشهادتين ، ولم تدر أن للإسلام رسوما وحدودا من تعداها خرج منه ، وإن ادعى البقاء عليه لم يسالمه أهل المعرفة في ذلك ، وأهل بيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يظهر لهم قدرة ولا اتساع مملكة لإجماع أكثر الأمة على عداوتهم وعنادهم ودفعهم
__________________
ـ وساق الأبيات إلا أنه في البيت الرابع : ..... بسوق النجير وسوق النقد وفي البيت الخامس (شبهة) بدل (غرة) وفي البيت السادس : ندين كما دان ، ولم يورد بقية الأبيات.
(١) معظم الروايات في السبي واردة عن سيف بن عمر التميمي وعلى أساسها استقت معظم المذاهب الإسلامية أحكام الردة.
(٢) حول قصة مسيلمة الكذّاب وسجاح ، انظر الطبري وابن الأثير حوادث سنة ١١ ه ، وبعضها من روايات سيف بن عمر التميمي التي نقلها الطبري في تأريخه عن كتابه (الردة والفتوح).
(٣) الخلاف لم يكن لأن أحدا لم يشكك فيما جاء في الطبري عن أحداث الردة والفتوحات ، وإن طعن الكثير من رجال الجرح والتعديل سيف بن عمر التميمي الذي نقل عنه الطبري ووصفوه بالكذب والوضع والزندقة إلا أنهم قبلوا رواياته ووجدت لها رواجا وانتشارا في أغلب مصادر التأريخ الإسلامي.