الْأُمَمِ) [فاطر : ٤٢].
وأما قوله : عليه اللعنة في آيات المرسلين ، وتمثيله لها بسحر الساحرين ، فغير بدع بحمد الله منه وقبله ، ما قال إخوانه من الكافرين فيها قوله ، أما سمعتم قول فرعون وملائه ، عند ما رأوا من نور الحق وضيائه ، (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [طه : ٦٣] فبينا (١) هو يقول أيها الساحر إذ قال إنك لمسحور ، وبينا قريش تقول لمحمد صلى الله عليه ما هذا إلا سحر إذ قالوا إنك لمجنون ، ولعمري لو كان موسى ومحمد صلى الله عليهما ساحرين عندهم وفيهم ، لكان ذلك بيّنا جليا لديهم لا يخفى منه شيء عليهم ، كما كان يتبين لهم سحر السحرة والكهان ، يوقنونه منهم بحقيقة الايقان ، ولا يدّعون سحرهم جنونا ، ولا ساحرهم مسحورا ، غلطا وعتها ، وعماية وعمها (٢).
هذا ليعلم أن قولهم فيه لم يكن إلا كذبا وافتراء ، وأن السحر لم يكن عندهم ما (٣) يشك فيه ولا يمترى.
كيف ويله وويل أسلافه ، ومن تبعه بعده من أخلافهم وأخلافه ، يسمى سحرا أو جنونا؟ ما يملأ بطونا وعيونا! وترى آثاره اليوم (٤) إلى الدهر الأطول دائمة ، ومواقعه في بطون الآكلين والشاربين من الظمأ والجوع باقية ، ما هذه بطريقة السحر المعروف ، ولا يعرف السحر بوصف من هذه الوصوف ، إلا أن يكون في مومه (٥) وعماه ، وشدة تباعده عن هداه ، يبصر اليوم من السحر ما لم يكونوا يبصرون ، أو يظهر السحرة اليوم له منهم ما لم يكونوا يومئذ (٦) يظهرون ، والسحر يومئذ فيهم ظاهر منشور ، وصاحبهم إذ ذاك عندهم مكرّم محبور ، ومن أظهر اليوم السحر ، لم يكن له عند الأمة عقوبة إلا القتل ، ما أوضح الأمور ، وأبين الساحر والمسحور ، وليس في هذا شغل ، لأحد ممن
__________________
(١) في (ب) : فبينما.
(٢) في (أ) و (ج) : وعماها.
(٣) في (ب) : بما.
(٤) سقط من (ب) : اليوم.
(٥) مومه. الموم : البرسام. وهو علة يهذى فيها.
(٦) سقط من (أ) و (ج) : يومئذ.