يعقل ، مع أنك لم تر قط أحدا يسحر ، إلا وهو يعبث في سحره ويسخر ، ولم تره وإن سحر إلا مسترذلا ، وسفلة دنيّا نذلا.
وأما قوله : نافر الله الإنسان فقال : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) (١٨) [العلق : ١٧ ـ ١٨]. ثم افتخر بغلبته ـ زعم ـ لقرية أو لأمة أهلكها من الأمم الخالية. فما في هذا ويله من نافر وافتخر ، لا ولكنه أوعد وحذّر ، بما فيه لمن عقل مزدجر ، (١) وعبرة كافيه ومدّكر ، وهذه من لفظاته الأولى ، وشبيهتهن في الدناءة والعمى ، فيا ويله ما أغلب عليه قول السفال والبهتان ، وأجهله بما يدور بين أهله من هذا اللسان ، الذي لا يصاب إلا به تأويل القرآن ، ولا يتبين بغيره من الألسن ما يتبين به من البيان ، فليقبل من أراده قبل تعلّمه ، ولا يحكم على القرآن بوهمه ، فإن (٢) ابن المقفع إنما استعار أحرفه ، فأما معناها فجهله وحرّفه ، يسمع منا في ذكر الله لفظا ، فوعاه كما سمع حفظا ، ثم ثبّته إلى نوره وضلالته كذبا ، فأنشأ يمدح به غير الممدوح تلعبا ، والمعاني منه فأعجمية ، والأسماء التي سمى فعربية.
وأما قوله : انقلب وأنشأ. فكلمتان ليس لهما في الله معنى ، لقبح مخرجهما ، وضلال منهجهما ، عن كلام أهل القدر والنّهى ، وإنما قبلهما من الناس عن (٣) الطبقة السفلى!
ومن قال له يا ويله انقلب عليه خلقه؟! وأنه أنشأ سبحانه يقاتله ويغالبه؟! هذا ويله فما لم يقل به في الله قط ، منذ كانت الدنيا مقتصد ولا مفرط.
وأما قوله : عمل يديه ، ودعاء كلمته ، ونفخة روحه. فكله منه على ما توهمه زور وبهتان ، وأكثر قوله فيه هذر وهذيان ، وليس فيما فنّن في (٤) هذا من قوله ، لا في قصره ولا في طوله ، أكثر من أن الله أحدث صنعا ، وأبدع لا شريك له بدعا.
فإن قال قائل ولم أوجد صنعه؟! وما العلة التي لها أبدع بدعه؟! فهي الاختيار
__________________
(١) في (أ) و (ج) : من زجر. مصحفة.
(٢) في (أ) و (ج) : فإنما.
(٣) سقط من (ب) و (ج) : عن.
(٤) في (ب) : من.