فيما أنشأ ، وإظهار حكمته فيما أبدى ، جودا منه وكرما لا يشوبه حسد ، ولا يجب به إلا له فيه حمد ، وكفى بهذه (١) لصنعه علة ، وفيما سأل عنه جوابا ومسألة.
فإن سأل سائل ، أو قال قائل ، (٢) فما باله إذا كان الجود عندكم من علة صنعه وبريته ، والجود فلم يزل عندكم من ذاته ، لم يحدث الصنع قبل إحداثه؟! فهذا ضرب من غلط السؤال وأعياثه (٣)! إذ كان الصنع كيف ما كان حدثا ، وكان الله له في ذلك محدثا ، فهذا جوابنا له فيما سال ، إذ كان في مسألته قد أحال (٤). والحمد لله رب العالمين ، وأول من أنعم من المنعمين.
وأما قوله : فصارت الغلبة للشيطان بأن تبعه الخلائق على ضلالته إلا أقلهم.
فيا ويله ما في هذا من غلبته ، (٥) بل هبهم تبعوه على ضلالته ، فإنما بأهوائهم ، (٦) وأطاعوه لعدائهم ، (٧) لا عن غلبة منه لهم ، فو الله ما غلبهم ، فكيف يغلب خالقه وخالقهم؟! ، ومتى غالب الله الشيطان فغلب أو غلب؟! يأبى (٨) ابن المقفع ـ ويله ـ إلا اللعب ، لئن كان الشيطان غلب الله بكثرة أتباعه ، لقد غلب الشر نوره بكثرة أشياعه!. ويله إنما يتبع الشيطان من أطاع هواه ، وعمي عن الله مثل عماه ، وسبله إلى الله لو أرادها ذلل ، وطريق نجاته بالحق له مسهّل ، ولم يعص من عصى غلبة ولا قهرا ، ولم تطع نفس على طاعتها جبرا ، إنما خلق الثقلان ، مخيّرين بين الطاعة والعصيان ، لتكون الطاعة بالاختيار إحسانا ، والمعصية للانسان عصيانا.
وأما قوله عليه اللعنة : أدخلوا عليه الأسف والحسرة والغيظ.
__________________
(١) في (ب) و (د) : بهذه الصنعة. تصحيف.
(٢) سقط من (أ) : أو قال قائل.
(٣) الأعياث : جمع عيث. وهو الافساد.
(٤) أحال : أتى بالمحال.
(٥) في (أ) و (ج) : غلبه.
(٦) في (ب) و (د) : وإنما تبعوه ومالوا إليه بأهوائهم.
(٧) في (أ) و (ب) : لعذابهم. وفي (ج) : لعذانهم. وما أثبت اجتهاد مني ، والله أعلم بالصواب.
(٨) في (أ) و (ج) : فأبى.