فكذب عدو الله لا يقال لله تحسّر ولا غيظ ، ولكن يقال لهم آسفوا ، إذا عصوا (١) الله فأسرفوا ، (٢) ولا يقال تحسر الله ولا اغتاظ ، (٣) وليس سبحانه مما يغاظ ، يأبى ابن المقفع إلا عجمة اللسان ، ومظلمة كذب البهتان ، متى وجد الله سبحانه عما يقول ، زعم مما لا تقبله العقول ، أظنه ذهبت به ذواهب استعجام الحيرة ، فيما ذكر عن الله سبحانه من الغيظ والحسرة ، إلى قول الله سبحانه : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠)) [يس : ٣٠] ، فهذه إنما هي حسرة على العباد لا عليه ، وتحسّر فيهم على الهدى لا فيه.
وأما قوله سبحانه : (فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ) [الحج : ٦]. وهذا أيضا فإنما كان لما (٤) هو لهم من أمر الله مغيظ. يقول سبحانه أما من امرؤ غاظه ، فليس يذهبه اغتياظه ، وأما (آسَفُونا) [الزخرف : ٥٥]. فهو أفرطوا في عصياننا ، فوجب عليهم بذلك تعجيل انتقامنا ، لا على ما توهم (٥) من حرقة الأسف ، التي لا تحل إلا بكل مستضعف ، ولقد كان له في هذا بيان واضح لو تبيّن ، ويقين علم صادق لو تيقّن ، لقول الله جل ثناؤه ، وتباركت بقدسه أسماؤه : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى : ١١]. وأن الذي توهم لتمثيل هو التمثيل ، (٦) فسبحان من لا تصل إليه الآلام ، ولا يعرض له نوم ولا نسيان ، ومن ليس كمثل ما خلق من الإنسان ، ذلك الله رب الأرباب ، ووليّ مجازاة العدل في الثواب والعقاب.
وأما قوله : فجعل الله السبيل سبيلين.
فوا عجبا لمحال قوله في هذا التكثير والتفنين! وكيف ـ ويله ـ يكون سبيلان
__________________
(١) يشير إلى قوله تعالى : (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) [الزخرف / ٥٥]. وفي (ب) : إذ غضبوا. تصحيف.
(٢) في (ب) و (د) : وأسرفوا.
(٣) في (أ) : واغتاظ.
(٤) سقط من (ب) : كان لما.
(٥) في (أ) و (ج) : لا على توهّم.
(٦) هكذا في جميع المخطوطات ، ولعل معناه : أن ما توهمه في تمثيل الله بالأمثلة هو التمثيل والتشبيه ، الممنوع في حق الله سبحانه.