الله إلا الحق ، فقد بيّن لكم آثار من مضى من أسلافكم ، وقص عليكم قصة من كان قبلكم ، من المؤمنين والصالحين ، ومن أوليائه المرسلين ، وما أمركم من الاقتداء بهم ، ورغّبكم في مرافقتهم (١) ، وقد خبّركم ما قد أصبح بمن خالفهم (٢) وسلك عكس طريقهم ، من قوم لوط ، وأصحاب فرعون ، فأخذهم الله بذنوبهم فقال : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) [العنكبوت : ٣٩]. وقال ، سبحانه لنبيه : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام : ٨٢]. وقال : (فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٨)) [الزمر : ١٧ ـ ١٨].
ثم قال : (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥)) [محمد : ٢٥].
فهذا ما أخبر الله عزوجل ذكره عن جميع عباده ، كيف من ضل منهم ، واهتدى من اهتدى منهم ، ومن بعد ما قد حكى الله من أنبيائه صلوات الله عليهم ، وعلى آدم وحواء ، قال الله : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) [طه : ١٢١] ثم قال : (أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) [الأعراف : ٢٢] ، فاعترفا بذنبهما ، فقالا مقرّين تائبين عن معصيتهما : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣)) [الأعراف : ٢٣].
ولم يقولا : معصيتنا من الرحمن وإرادته.
والقدرية والمجبرة يقولون : معصيتنا بقضاء الله وإرادته ، خلافا على أبي البشرعليهالسلام.
وقال الله ، عزوجل ، يخبر عن موسى صلى الله عليه : (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) [القصص : ١٥]. ولم يقل : هذا من الله ومشيئته. وقال يعقوب عليهالسلام : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ) [يوسف : ١٨]. والقدرية
__________________
(١) في (أ) و (ج) : بهم في مرافقتهم.
(٢) في جميع المخطوطات : خالفكم. والسياق يؤكد ما أثبت. فلعلها مصحفة.