وتأولوا قول الله سبحانه في كتابه ـ لقوله ـ : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) [التوبة : ١٠٠] فيزعمون أن الله ورسوله والأئمة يرون أعمال العباد ، فسبحان الله! كيف يرى ما غاب عنه ، وإنما قال الله سبحانه : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) إنما عنى تبارك وتعالى أي : فسيرى المؤمنون والأنبياء في الآخرة أعمالكم إذا ظهر الغيب ، وانكشف الستر ، وكان فريق في الجنة ، وفريق في السعير ، واستبان للخلق (١) المطيع من العاصي ، والكافر من المؤمن ، والصالح من الطالح ، فكم من مستور عليه يجرّ إلى عذاب أليم ، وكان عند الناس على خلاف ذلك في دار الدنيا.
ولو رأى أحد ممن وصفت الروافض ، من الأنبياء والأئمة ، من غير أن يخبر لم يكونوا يموتون بالسم ، ولم يكونوا ليأكلوا السم ، (٢) فيعينوا على أنفسهم بالقتل ، وقد قال تبارك وتعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء : ٢٩]. أو ليس من أكل شيئا من السم وهو يعلم أن فيه نفسه ، فقد أعان على قتلها؟ فإن زعموا أنه (٣) أكل السم من الخوف. يقال لهم : من أي شيء يخاف؟ فإن زعموا أنه إنما يخاف من القتل. فقل (٤) لهم : أو ليس قتله بالسم (٥) فلا يأكل حتى يقتل مظلوما ، خير له من أن يقتل نفسه وهو معين عليها.
وكيف يعلم وقد قال الله تبارك وتعالى : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) [الأحقاف : ٩]. يعني من حوادث الدنيا ، وقد قال الله تبارك وتعالى : (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) [التوبة : ١٠٠]. فكيف (٦) يرى أعمال العباد؟! هذا كتاب الله يكذب قولكم. ولو كان
__________________
(١) في (ب) : الخلق.
(٢) يشير إلى سم جعدة بنت الأشعث لزوجها الإمام الحسن ، وسم المأمون للرضا وغيرهما.
(٣) في (ب) و (د) : أنهم أكلوا من الخوف. وفي (ج) : أنهم أكلوا السم من الخوف.
(٤) في (ب) و (د) : فقيل.
(٥) في (أ) و (ج) : في السم.
(٦) في (ب) و (د) : وكيف يرى أفعال.