والتمييز فيما يوجب النظر ، والاستدلال بالدليل الحاضر المعلوم ، على المدلول عليه الغائب المجهول. فعلى قدر نظر الناظر واستدلاله يكون دركه لحقيقة (١) المنظور فيه ، والمستدلّ عليه ، فكان (٢) الإجماع من العقلاء على ما أجمعوا عليه أصلا وحجة محكّمة على الفرع الذي وقع الاختلاف فيه.
وأصل الكتاب فهو المحكم الذي لا اختلاف فيه ، الذي لا يخرج تأويله مخالفا لتنزيله. وفرعه المتشابه من ذلك فمردود إلى أصله الذي لا اختلاف فيه بين أهل التأويل.
وأصل السنة التي جاءت على لسان الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ما وقع عليه الإجماع بين أهل القبلة ، والفرع ما اختلفوا فيه عن الرسول. فكل ما وقع فيه الاختلاف من أخبار رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم فهو مردود إلى أصل الكتاب والعقل والإجماع.
وقد أنكرت الحشوية من أهل القبلة رد المتشابه إلى المحكم ، وزعموا أن الكتاب لا يحكم بعضه على بعض ، وأن لكل آية منه ثابتة واجب حكمها بوجوب تنزيلها وتأويلها ، ولذلك ما (٣) وقعوا في التشبيه ، وجادلوا عليه ، لما سمعوا من متشابه الكتاب ، فلم يحكموا عليه الآيات التي جاءت بنفي التشبيه.
فاعلم ذلك ، فإن هذه جملة من معرفة المعبود والتعبد والعبادة ، ومعرفة الحجج التي وجب التعبد على جميع المكلفين.
ثم نعود إلى تفسير هذه الجملة وشرحها ، وتبيين عللها وما تكمل به المعارف من تقسيمها ، فأول ما نذكره من ذلك معرفة الله عزوجل ، وهي عقلية منقسمة على وجهين : وهي إثبات ونفي ، فالإثبات هو اليقين بالله والإقرار به ، والنفي هو نفي التشبيه عنه تعالى وهو التوحيد.
__________________
(١) في (د) : بحقيقة.
(٢) في (أ) و (ج) : وكان.
(٣) ما : زائدة لتحسين الكلام ، وكثيرا ما ترد في كلام الإمام القاسم.