وشق القمر إذ سأله قومه آية (١) فأنزل الله تعالى في ذلك :
(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) [سورة القمر : ١ ـ ٤].
وكذلك حنين الجذع (٢) الذي سمعه كل من حضره من الصحابة رضوان الله عليهم. ومن أبهر ذلك وأعظمه قوله لليهود الذي كانوا في وقته وهم زيادة على ألف بلا شك ، ولعلهم كانوا ألوفا وهم بنو قريظة ، وبنو النضير ، وبنو أهدل ، وبنو قينقاع ، أن يتمنوا الموت إن كانوا صادقين في تكذيبهم نبوته ، وأعلمهم أنهم لا يستطيعون ذلك أصلا ، فعجزوا عن ذلك أي عن تمني الموت ، وحيل بينهم وبين النطق بذلك ، وهذه قصة منصوصة في سورة الجمعة يقرأ بها كل يوم جمعة في جميع جوامع المسلمين من شرق الدنيا إلى غربها. وقد كان أسهل الأمور عليهم أن يكذبوا بأن يتمنوا الموت لو استطاعوا ، وهم يسمعونه يقول : (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) [سورة الجمعة : ٦ ، ٧].
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : وهذا أمر لا يدفعه إلّا وقاح جاهل مكابر للعيان ، لأن القرون والأعصار نقلت هذه الآيات جيلا جيلا يخاطبون بها. فكل أذعن وأقر ، ولم يمكن أحد دفعه.
ودعا عليهالسلام من حيث مبعثه العرب كلهم ـ على فصاحة ألسنتهم ، وكثرة استعمالهم لأنواع البلاغة من الإطالة والإيجاز ، والتصرف في أفانين البلاغة ، والألفاظ المركبة على وجوه المعاني ـ إلى أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، ثم ردّهم إلى سورة فعجزوا كلّهم عن ذلك على سعة بلادهم طولا وعرضا ، وأنه صلىاللهعليهوسلم أقام بين أظهرهم ثلاثة وعشرين عاما ، يستسهلون قتله ، والتعرض لسفك دمائهم ، واسترقاق ذراريهم ، وقد أضربوا عمّا دعاهم إليه من المعارضة للقرآن جملة.
__________________
(١) روى البخاري في مناقب الأنصار (باب ٣٦ ، حديث ٣٨٦٨) عن أنس بن مالك رضي الله عنه : «أن أهل مكة سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يريهم آية ، فأراهم القمر شقّتين حتى رأوا حراء بينهما».
وروى مسلم في صفات المنافقين وأحكامهم (حديث ٤٣) عن ابن مسعود قال : انشقّ القمر على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم بشقتين ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اشهدوا» وفي لفظ (حديث ٥٤) :
انشق القمر على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلقتين ، فستر الجبل فلقة وكانت فلقة فوق الجبل ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اللهم اشهد». ورواه أحمد في المسند (١ / ٣٧٧).
(٢) تقدّم مع تخريجه أكثر من مرة.