قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : فإن قال قائل : إنّه منع المعارضون حينئذ من المعارضة أو عارضوا فستر ذلك. قيل له وبالله التوفيق : لو أمكن ما تقول لأمكن لغيرك أن يدّعي في آيات موسى عليهالسلام مثل ذلك ، بل كان يكون أقرب إلى التلبيس ، لأن في توراتكم أن السحرة عملوا مثل ما عمل موسى عليهالسلام حاشا البعوض خاصة فإنهم لم يطيقوه.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : وهذا هو الباطل والتبديل الظاهر ، لأن السحر لا يحيل عينا ولا يقلبها ، ولا يحيل طبيعة ، إنما هو حيل قد بينا الكلام فيها بعون الله تعالى في موضعه من هذا الكتاب وفي غيره.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : وهذا الاعتراض هو على سبيل إبطال الكواف لا سبيل من أقر بشيء منها ، ثم يقال كل من ولي الأمر بعده عليهالسلام معروف ليس منهم أحد إلا وله أعداء يخرجون من عداوته إلى الغايات من الحنق والغيظ فأبو بكر وعمر تعاديهما «الرافضة» وتبلغ في عداوتهما وتكفيرهما أقصى الغايات. وما قال قط أحد مؤمن ولا كافر عدوّ لهما ولا وليّ : إن أحدا منهما أجبر أحدا على الإقرار بآيات محمد صلىاللهعليهوسلم ، ولا على ستر شيء عورض به ، ولا قدر أن يقول هذا أيضا يهوديّ ولا نصراني.
وكذلك عثمان أيضا وعليّ تعاديهما الخوارج ، وتخرج في عداوتهما وتكفيرهما إلى أبعد الغايات ، ما قال قط قائل في أحدهما شيئا من هذا ، وحتّى لو رام أحد من الملوك ذلك لما قدر عليه ، لأنه لا يملك أيدي الناس ولا ألسنتهم ، يصنعون في منازلهم ما أحبّوا ، وينشرونه عند من يثقون به حتى ينتشر.
وهذا أمر لا يقدر على ضبطه والمنع منه أحد ، لا سيما مع انخراق الدنيا وسعة أقطارها من أقصى السند إلى أقصى الأندلس ، فلو أمكنت معارضته ما تأخر عن ذلك من له أدنى حظ من استطاعة عند نفسه على ذلك ممن لا بصيرة له في الإسلام في شرق الأرض وغربها. فإن قال قائل من اليهود : إن موسى عليهالسلام قال لهم في التوراة : «لا تقبلوا من نبي أتاكم بغير هذه الشريعة وإن جاءكم بآيات».
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : قلنا له وبالله تعالى التوفيق :
لا سبيل إلى أن يقول موسى عليهالسلام هذا بوجه من الوجوه ، لأنه لو قال ذلك لكان مبطلا لنبوة نفسه ، وهذا كلام ينبغي أن يتدبّر ، وذلك أنه لو قال لهم : لا تصدقوا من دعاكم إلى غير شريعتي وإن جاء بآيات ، فإنه يلزمه إذا كانت الآيات لا