توجب تصديق غيره إذا أتى بها في شيء دعا إليه ، فهي غير موجبة تصديق موسى عليهالسلام فيما أتى به ، إذ لا فرق بين معجزاته ومعجزات غيره ، إذ بالآيات صحّت الشرائع ، ولم تصح الآيات بالشرائع ، لأن تصديق الشريعة موجبة للآية ، والآية موجبة تصديق الشريعة ، ومن قال خلاف هذا ممن يدين بشريعة وبنبوة فهو عظيم المجاهرة بالباطل.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : وأيضا فإن هذا القول المنسوب إلى موسى عليهالسلام كذب موضوع ليس في التوراة شيء منه ، وإنما فيها : «من أتاكم يدّعي نبوّة وهو كاذب فلا تصدقوه» ، فإن قلتم من أين نعلم كذبه من صدقه؟ فانظروا فإذا قال عن الله شيئا ، ولم يكن كما قال فهو كاذب. هذا نص ما في التوراة فصح بهذا أنه إذا أخبر عن الله تعالى بشيء فكان كما قال فهو صادق ، وقد وجدنا كلّ ما أخبر به النبي صلىاللهعليهوسلم في غلبة الروم على كسرى ، وإنذاره بقتل الكذاب العنسي ، ويوم ذي قار ، وبخلع كسرى ، وبغير ذلك. فإن قالوا : إن في التوراة أن هذه الشريعة لازمة لكم في الأبد ، قلنا : هذا محال في التأويل ، لأنه كذلك أيضا فيها : أن هذه البلاد يسكنونها أبدا ، وقد رأيناهم بالعيان خرجوا عنها.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : فإن قال قائل : فقد قال لكم محمد صلىاللهعليهوسلم : لا نبي بعده. قيل لهم وبالله تعالى نتأيد : ليس هذا الكلام مما ادعيتموه على موسى عليهالسلام ، لأننا قد علمنا من إخباره عليهالسلام أنه لا سبيل إلى أن يظهر أحد آية بعده أبدا ، ولو جاز ظهورها لوجب تصديق من أظهرها ، ولكنا قد أيقنا أنه لا تظهر آية على أحد بعده عليهالسلام بوجه من الوجوه.
فإن قال قائل : وكيف تقولون في «الدجال» وأنتم ترون أنه يظهر له عجائب؟
فالجواب وبالله تعالى التوفيق : أن المسلمين فيه على أقسام ، فأما «ضرار بن عمرو» (١)
__________________
(١) من رءوس المعتزلة وشيخ الضرارية ، من أقواله : يمكن أن يكون جميع الأمة في الباطن كفارا لجواز ذلك على كل فرد منهم. ويقول : الأجسام إنما هي أعراض مجتمعة وإن النار لا حرّ فيها ، ولا في الثلج برد ، ولا في العسل حلاوة ، وإنما يخلق ذلك عند الذوق واللمس. قال أحمد بن حنبل : شهدت على ضرار بن عمرو عند سعيد بن عبد الرحمن ، فأمر بضرب عنقه ، فهرب. انظر ترجمته في الفهرست لابن النديم (ص ٢١٤ ، ٢١٥) لسان الميزان (٣ / ٢٠٣) ميزان الاعتدال (٢ / ٢٣٨).