وجيحان من أنهار الجنة» (١) قلنا : نعم. هذا حق لا شك فيه ، ومعناه هو على ظاهره بلا تكلف تأويل أصلا ، وهي أسماء لأنهار الجنة كالكوثر والسلسبيل.
فإن قيل : قد صح عنه عليهالسلام أنه قال :
«ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة» (٢).
قلنا : هذا حق ، وهو من أعلام نبوته ، لأنه أنذر بمكان قبره فكان كما قال ، وذلك المكان لفضله وفضل الصلاة فيه يؤدي العمل فيه إلى دخول الجنة ، فهي روضة من رياضها ، وباب من أبوابها. ومعهود اللغة أن كل شيء فاضل طيب فإنه يضاف إلى الجنة. ونقول لمن بشرنا بخبر حسن : هذا من الجنة. وقال الشاعر : «روائح الجنة في الشباب».
وليس كذلك هذا الذي في توراة اليهود لأن واضعها لم يدعنا في لبس من كذبه بل بين أنه عنى النيل المحيط بأرض زويلة بلد الذهب الجيد ، ودجلة التي بشرقي «الموصل» ، و «جيحان» المحيط ببلاد الحبشة الذي لم يخلق بعد ، فلم يدع لطالب تأويل لكلامه حيلة ولا مخرجا. وأيضا فإنهم لا يمكنهم البتة تخريج ما في توراتهم المكذوبة على ما وصفنا نحن الآن في نص توراتهم أن الجنة التي أخرج منها آدم لأكله من الشجرة التي فيها إنما هي شرق عدن ، في الأرض لا في السماء كما نقول نحن. فثبتت الكذبة لا مخرج منها أصلا ، ولو لم يكن في توراتهم إلا هذه الكذبة وحدها لكفت في بيان أنها موضوعة لم يأت بها «موسى» قط ، ولا هي من عند الله تعالى ، فكيف ولها نظائر ونظائر ونظائر؟
فإن قيل : في القرآن ذكر سد «يأجوج» و «مأجوج» ولا يدرى مكانه ولا مكانهم. قلنا : مكانه معروف في أقصى الشمال في آخر المعمور منه. وقد ذكر أمر يأجوج ومأجوج في كتب اليهود التي يؤمنون بها ويؤمن بها النصارى وقد ذكر يأجوج ومأجوج والسد «أرسطاطاليس» في كتابه في الحيوان عند كلامه على «الغرانيق» ، وقد ذكر سدّ يأجوج ومأجوج «بطليموس» في كتاب المسمى «جغرافيا» وذكر طول بلادهم وعرضها.
__________________
(١) روى الإمام أحمد في المسند (٢ / ٢٦١) عن أبي هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «فجرت أربعة أنهار من الجنة : الفرات والنيل والسيحان وجيحان».
(٢) رواه عن أبي هريرة البخاري في الصلاة في مسجد مكة والمدينة باب ٥ ، ومسلم في الحج (حديث ٥٠٢) ومالك في القبلة (حديث ١٠) والترمذي في المناقب باب ٦٧. ورواه عن عبد الله ابن زيد المازني البخاري في الصلاة في مسجد مكة والمدينة باب ٥ ، ومسلم في الحج (حديث ٥٠١) ومالك في القبلة (حديث ١١) وأحمد في المسند (٣ / ٤) والنسائي في المساجد باب ٧.