السَّحَرَةُ ساجِدِينَ قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) [سورة الأعراف : ١١٣ ـ ١٢٢].
وإذ يقول تعالى : (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) [سورة طه : ٦٦]. فأخبر عزوجل أن الذي عمل موسى حق ، وأن عصاه صارت ثعبانا على الحقيقة بقوله تعالى : (فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) [سورة الأعراف : ١٠٧ ، والشعراء : ٣٢].
فصح أنه تبين ذلك لكل من رآه يقينا. وأخبر أن الذي عمل السحرة إنما هو إفك وتخييل وكيد ، وهذا هو الحق الذي تشهد به العقول ، لا في الكتاب المبدّل المحرّف ، فصح أن فعل السحرة حيلة مموهة لا حقيقة لها ، وهذا الذي يصححه البرهان ، إذ لا يحيل الطبائع إلّا خالقها ، شهادة لرسله وأنبيائه ، وفرقا بين الصدق والكذب ، لا قولهم عمل السحرة مثل ما عمل موسى في وقت تكليفه برهانا على صدق قوله ، وعند تحديه لهم على أن يأتوا بمثله إن كانوا صادقين وهو كاذب ، فأتوا بمثله ، فانظروا النتيجة يرحمكم الله.
هذه سوأة تشهد شهادة قاطعة صادقة بأن صانع ذلك الكتاب الملعون المكذوب الذي يسمونه «الحماش» ويدّعون أنه توراة موسى عليهالسلام إنما كان زنديقا مستخفا بالباري تعالى ورسله وكتبه ، وحاش لموسى عليهالسلام منه ، وأنهم إلى الآن يزعمون أن إحالة الطبائع وقلب الأجناس عن صفاتها الذاتية إلى أجناس أخر ، واختراع الأمور في المعجزات البينية يقدر على ذلك بالرّقى والصناعات. واعلموا أنّ من صدّق بهذا فهو مبطل للنبوة بلا مرية ، لا فرق بين النبي وغيره إلّا في هذا الباب ، فإذا أمكن لغير النبي فلم يبق إلّا دعوى لا برهان عليها ، ونعوذ بالله من الضلال.
ولقد شاهدناهم متفقين إلى اليوم على أن رجلا من علمائهم ببغداد دخل من بغداد إلى قرطبة في يوم واحد ، وأنبت قرنين في رأس رجل من بني الاسكندراني كان ساكنا بقرب دار اليهود عند فندق الحرقة كان يؤذي يهود تلك الجهة ويسخر منهم ، وهذه كذبة وفضيحة لا نظير لها ، والموضع مشهور عندنا بقرطبة داخل المدينة ، وبنو عبد الواحد بن يزيد الإسكندري من بيئة رفيعة مشهورة أدركنا آخرهم. كانت فيهم وزارة وعمالة ليس فيهم مغمور ولا خفيّ إلى أن بادوا ما عرف قط أحد منهم ولا من جيرانهم هذه الأحموقة المختلقة.
والقوم بالجملة أكذب البرية ، أسلافهم وأخلافهم ، وعلى كثرة ما شاهدنا منهم ، ما رأيت فيهم قط متحريا إلّا رجلين فقط.