إنكارها ، وهي أنهم كانوا في حياة يوسف عليهالسلام في كفاف من العيش أصحاب غنم فقط ، ولم يكونوا في يسار فائض ، ثم كانوا بعد موت يوسف وإخوته عليهالسلام في فاقة عظيمة وعذاب ونصب ، وسخرة متصلة ، وذلّ راتب ، وبلاء دائب ، وتعب زاهق ، يكاد يقطع عن الشبع ، فكيف عن الاتساع في العيال ، والأشر (١) في الاستكثار من الولد؟ فهذه كذبة عظيمة مطبقة فاضحة.
وثانية : وهي أن في توراتهم أنهم كانوا ساكنين في أرض «قوص» فقط وأن معاشهم كان من المواشي فقط.
وذكر في توراتهم : أنهم إذ خرجوا من مصر خرجوا بجميع مواشيهم ، فاعجبوا أيها السامعون وتفكروا ما الذي يكفي ستمائة ألف وثلاثة آلاف لم يعد فيهم ابن أقل من عشرين سنة ، سوى النساء ـ للقوت والكسوة من المواضي ، ثم اعلموا يقينا أن أرض مصر كلها تضيق عن مسرح هذا المقدار من المواشي فكيف أرض قوص وحدها؟
وهم يقولون في توراتهم : إن إبراهيم ولوطا عليهماالسلام لم تحمل كثرة مواشيهم أرض واحدة ، ولا أمكنهما أن يسكنا معا ، فكيف بمواش تقوّم بأزيد من ألف ألف وخمسمائة ألف إنسان؟ لقد كان الذي عمل لهم هذه الكتب الملعونة المكذوبة ضعيف العقل ، قليل الفكرة فيما يطلق به قلمه ، فهذه كذبة فاحشة ثانية عظيمة جدّا.
وثالثة : أنه ذكر في توراتهم أنهم كانوا كلهم يسخرون في عمل (الطوب) (٢) وتالله إن ستمائة ألف طوّاب (٣) لكثير جدا ، لا سيما في «قوص» وحدها ، وليس يمكنهم أن يقولوا : إنهم كانوا متفرقين ، فإن توراتهم تقول غير هذا وتخبر أنهم كانوا مجتمعين ، ذكر ذلك في مواضع جمة منها ، حيث أمرهم بذبح الخرفان ومس العنب بالدم منها (٤) حيث أباح لهم فرعون الخروج مع موسى عليهالسلام ، فكانوا كلهم مجتمعين بمواشيهم يوم خروجهم. وهذه كذبة عظيمة ثالثة لا خفاء بها.
والرابعة : أنه ذكر «بني لاوي» ثلاثة رجال فقط : «فهاث» و «جرشون» ، و «مرارى» ، وأن ذكور نسل هؤلاء الثلاثة فقط كانوا : اثنين وعشرين ألفا من الذكور خاصة من ابن
__________________
(١) الأشر : النشاط (المعجم الوسيط : ص ١١٩).
(٢) الطوب : الآجرّ ، أي اللّبن المحروق (المعجم الوسيط : ص ٥٦٩).
(٣) الطوّاب : صانع الطوب (المرجع السابق : ص ٥٦٩).
(٤) كانت في الأصل : «ومنها» والصواب حذف الواو.