نبوة كل نبي يقرون له بنبوة قطعا ، لأنه لا فرق فيهما بين «موسى» وسائر أنبيائهم ، وبين الكذابين والسحرة ، وحاشا لله من هذا ، وبه تعالى نعوذ من الخذلان.
هذا مع قوله بعد ذلك : «وأيما نبي أحدث فيكم من ذاته نبوة ممّا لم نأمر به ، ولم أعهد إليه به ، أو تنبأ فيكم يدعو للآلهة والأوثان فاقتلوه».
فإن قلتم في أنفسكم : من أين يعلم أنه من عند الله أو من ذاته؟ فهذا علمه فيكم ، إذا أنبأ بشيء ولم يكن ، فاعلموا أنه من ذاته.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : هذا كلام صحيح ، وهذا مضادّ للذي قبله من أنه ينبئ بالشيء فيكون كما قال ، وهو مع ذلك يدعو إلى عبادة غير الله ، والقوم مخذولون نقلوا دينهم عن زنادقة مستخفين لا مئونة عليهم أن ينسبوا إلى الأنبياء عليهمالسلام الكفر والضلال والكذب والعهر كالذي ذكرنا قبل ، وكنسبتهم إلى «هارون» عليهالسلام : أنه هو الذي عمل العجل لبني إسرائيل ، وبنى له مذبحا ، وقرب له القربان ، وجرّد أستاه قومه للرقص والغناء قدام العجل عراة.
وكما نسبوا إلى سليمان عليهالسلام : أنه قرّب القرابين للأوثان على الكدى (١) ، وأنه قتل «يواب بن صوريا» صبرا ، وهو نبي مثله.
وكما نسبوا إلى «شاول» وهو نبي عندهم يوحى إليه قتل النفوس ظلما.
ونسبوا إلى «بلعام بن ناعورا» (٢) وهو نبي عندهم يوحي الله تعالى إليه مع الملائكة العون على الكفر ، وأن «موسى» وجيشه قتلوه.
ثم نسبوا النبوة إلى «منسى بن حزقيا» الملك ، وهو بإقرارهم كافر ملعون يعبد الأوثان ، ويقتل الأنبياء.
وينسبون المعجزات إلى «شمشون» الدابي ، وهو عندهم فاسق مشهور بالفسق ، متعشق للفواسق ملم بهنّ. وينسبون المعجزات إلى السحرة.
__________________
(١) الكدى (بفتح الكاف والدال) : جمع كداة ، وهو كل ما جمع من تراب ونحوه فجعل كثبة.
والكدى (بضم الكاف) : جمع كدية ، وهي الأرض الغليظة أو الصلبة لا تعمل فيها الفأس. انظر المعجم الوسيط (ص ٧٨٠).
(٢) ورد هذا الاسم في بعض المصادر الإسلامية «باعوراء» بالباء.