فاعجبوا لعظيم بليتهم ، واحمدوا الله على السلامة ، واسألوه العافية لا إله إلّا هو.
فصل
ثم قال في آخر توراتهم : فتوفي «موسى» عبد الله بذلك الموضع في أرض «مواب» مقابل بيت «فغور» ، ولم يعرف آدمي موضع قبره إلى اليوم ، وكان موسى يوم توفي ابن مائة وعشرين سنة لم ينقص بصره ولا تحركت أسنانه ، فنعاه بنو إسرائيل في أوطنة «مواب» ثلاثين يوما ، وأكملوا نعيه.
ثم إن «يوشع بن نون» امتلأ من روح الله ، إذ جعل موسى يديه عليه وسمع له بنو إسرائيل ، وفعلوا ما أمر الله به «موسى» ، ولم يخلف «موسى» في بني إسرائيل نبي مثله ، ولا من يكلمه الله مواجهة في جميع عجائبه التي فعل يديه بأرض مصر في فرعون مع عبيده ، وجميع أهل مملكته ، ولا من صنع ما صنع موسى في جماعة بني إسرائيل.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : هذا آخر توراتهم وتمامها ، وهذا الفصل شاهد عدل وبرهان تام ، ودليل قاطع ، وحجة صادقة في أن توراتهم مبدّلة ، وأنها تاريخ مؤلف كتبه لهم من تخرّص (١) بجهله ، أو تعمّد بكفره ، وأنها غير منزلة من عند الله تعالى ، إذ لا يمكن أن يكون هذا الفصل منزلا على موسى في حياته ، فكان يكون إخبارا عنهما ، لم يكن بمساق ما قد كان ، وهذا هو محض الكذب تعالى الله عن ذلك.
وقوله «لم يعرف قبره آدمي إلى اليوم» بيان لما ذكرنا كاف ، وأنه تاريخ ألف بعد دهر طويل ولا بد.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : هاهنا انتهى ما وجدنا من التوراة لليهود التي اتفق عليها الربانيون ، والعانانيون ، والعيسويون ، والصدوقيون منهم مع النصارى أيضا بلا خلاف منهم فيها من الكذب الظاهر في الأخبار وفيما يخبر به عن الله تعالى ثم عن ملائكته ، ثم عن رسله عليهمالسلام من المناقضات الظاهرة ، والفواحش المضافة إلى الأنبياء عليهمالسلام ، ولو لم يكن فيها إلّا فصل واحد من الفصول التي ذكرنا لكان موجبا ولا بدّ لكونها موضوعة محرفة مبدّلة مكذوبة ، فكيف وهي سبعة وخمسون فصلا ، من جملتها فصول يجمع الفصل الواحد منها سبع كذبات أو مناقضات فأقل ،
__________________
(١) التخرّص : التكذّب بالباطل (المعجم الوسيط : ص ٢٢٧).