واضح بصحة ما قلنا من أن العشر كلمات ومصحف التوراة إنما كان في الهيكل فقط تحت تابوت العهد ، وفي التابوت فقط عند الكوهن الأكبر وحده ، لأنه بإجماعهم لم يكن يصل إلى ذلك الموضع أحد سواه.
وفيه أيضا : أنه أمر أن يكتب الكوهن المذكور من السفر الخامس فقط شيئا يمكن أن يقرأه الملك كل يوم ، ومثل هذا لا يكون إلا يسيرا جدّا ورقة أو نحو ذلك. مع أنهم لا يختلفون في أنه لم يلتفت إلى ذلك البتة بعد «سليمان» عليهالسلام أحد من ملوكهم إلا أربعة أو خمسة كما قدمنا فقط ، من جملة أربعين ملكا.
وأيضا فإنه قال في السفر المذكور : ثم كتب «موسى» هذا الكتاب ويرى به إلى الكهنة من «بني لاوي» الذين كانوا يحسنون عهد الرب ، وقال لهم «موسى» : إذا اجتمعتم للتقديس بين يدي الرب إلهكم في الموضع الذي تخيره الرب ، فاقرءوا ما في هذا المصحف في جماعة «بني إسرائيل» عند اجتماعهم فقط يسمعوا ما يلزمهم.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : وفي نصّ توراتهم : أنهم كانوا لا يلزمهم المجيء إلى «بيت المقدس» إلّا ثلاث مرات في كل سنة فقط ، فإنما أمر بنص التوراة كما أوردنا أن يقرأها عليهم الكوهن الهاروني عند اجتماعهم فقط. فثبت أنها لم تكن إلّا في الهيكل فقط ، عند الكوهن الهاروني فقط لا عند أحد سواه.
وقد أوضحنا قبل أنّ العشرة الأسباط لم يدخل قط «بيت المقدس» منهم أحد بعد موت «سليمان» عليهالسلام إلى أن انقطعوا ، وأن «بني يهوذا» و «بنيامين» لم يجتمعوا إليه إلّا في عهد الملوك الخمسة المؤمنين فقط فظهر بهذا ـ كما قلنا ـ وصح تبديلها بيقين ، ولا شك في أن تلك المدة الطويلة التي هي أربعمائة سنة غير شيء ، قد كان في الكهنة الهارونيين ما كان في غيرهم من الكفر والفسق وعبادة الأوثان كالذي يذكرون عن ابني الكوهن عالي الهاروني ، وغيرهما ، ممن يقرّون في كتبهم أنهم خدموا الأوثان ، وبيوتها من «بني هارون» و «بني لاوي». ومن هذه صفته فلا يؤمن عليه تغيير ما ينفرد به ، وهذه كلها براهين أضوأ من الشمس على صحة تبديل توراتهم وتحريفها.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : إلّا سورة واحدة ذكر في توراتهم أنّ «موسى» عليهالسلام أمر بأن تكتب وتعلم جميع «بني إسرائيل» ليحفظوها ويقوموا بها ، ولا يمتنع أحد من نسلهم من حفظها ، وهذا نصها حرفا بحرف : «اسمعي يا سماوات قولي وتسمع الأرض كلامي ، يكثر كالمطر ، ويسيل الرذاذ كلامي ، ويكون كالمطر على العشب ، وكالرذاذ على الخصب لأني أنادي باسم الربّ ، فيعظمه الرّب إلهنا الذي