أكمل خلقته واعتدلت أحكامه ، الله الأمين ، الذي لا يجور ، العدل القيوم ، أذنب لديه غير أوليائه ، ومحت الأمة العاصية المستحيلة ، وهذا شكر للرّب يا أمة جاهلة نهمة ، أما هو : أبوكم الذي خلقكم ، ومليككم ، فتذكروا القديم ، وفكروا في الأجناس ، وسلوا آباءكم فيعلمونكم ، وأكابركم فيعرفونكم ، إذا كان يقسم العلي الأجناس ، ويميز بين بني آدم جعل قسمة الأجناس على حساب بني إسرائيل ، فهم الربّ أمته ، ويعقوب قسمته ، وجده في الأرض المقفرة ، وفي موضع قبيح غير مسلوك فأطلقه وأقبل به وحفظه كحفظ الشعر للعين ، وأطارهم كما يستطير العقاب بفراخها ، وتحوم عليها ، وتبسط جناحها حفظا لها ، فأقبل بهم وحملهم على منكبيه ، فالرب وحده كان قائدهم ، ولم يكن معه إله غيره ، فجعلهم في أشرف أرضه ليأكلوا خبزها ، ويصيبوا عسل حجارتها ، وزيت جنادلها ، وسمن مواشيها ، ولبن ضأنها ، وشحوم خرفانها ، وكباش بني باسان ، ولحوم التيوس ، بلباب البرّ ، ودم العنب ، وتعاموا ، سمنوا ، ودبروا ، واتسعوا ، ثم تخلوا من الله خالقهم ، وكفروا بالله مسلمهم ، فألجئوه بعبادتهم الأوثان إلى أن سخط عليهم ، ولسجودهم للشيطان لا لله ، ولسجودهم لآلهة الأجناس كانوا يجهلونها ، ولم يعبدها قبلهم آباؤهم فتخلوا من الله الذي ولدهم ، فنسوا الرب خالقهم ، فبصر الرب بهذا ، وغضب له ، إذ تخلى بنوه وبناته ، فقال : أخفي وجهي عنهم حتى أعلم آخر أمرهم ، فإنها أمة كافرة عاصية ، وقد أسخطوني بعبادة من ليس إلها ، وأغضبوني بفواحشهم ، وسأغيرهم على يدي أمة ضعيفة ، وأخسف بهم على يدي أمة جاهلة ، ويتقدم غضبي نار تحرق إلى الهواء ، فيأتي على الأرض بمعاقبته ، وتذهب أصول الجبال فأجمع عليهم بأسي ، وأثقبهم بنبلي ، وأهلكهم جوعا ، وأجعلهم طعاما للطير ، وأسلط عليهم أنياب السباع ، وأصعب عليهم الحياة ، فإن برزوا أهلكتهم رماحا ، وإن تحصنوا أهلكت الشاب منهم ، والعذار ، والطفل ، والشيخ ، رعبا حتى أقول : أين هم؟ فأقطع من الأرض ذكرهم ، لكني رفّهت عنهم لشدة حرد أعدائهم لئلا يزهوا ويقولوا أيدينا القوية فعلت لا الرب ، فهذه الأمة لا رأي لها ولا تمييز فليتها عرفت وفهمت وأبصرت ما يدركها في آخر أمرها ، كيف يتبع واحدا منهم ألف ويفر عن اثنين عشرة آلاف؟
أما هذا بأن ربهم أسلمهم ، وربهم أعلق فيهم ، ليس إلهنا مثل آلهتهم ، وصار حكما ، كرمهم من كرم «سدوم» ، وعناقيدهم من أرباض «عامورا» ، فعناقيدهم عناقيد المرارة ، وشرابهم مرارة الثعابين ، ومن السم الذي لا دواء له ، أما هذا في علمي ، ومعروف في خزائني لي الانتقام ، وأنا أكافئ في وقته ، فترهق أرجلكم ، فكان قد حان وقت خرابهم ، وإلى ذلك تسرع الأزمنة ، سيحكم الربّ على أمته ، ويرحم عبيده إذا