أبصرهم قد ضعفوا ، وأغلق عليهم وذهب أواخرهم ، وقال : أين آلهتهم التي يتقون ، ويأكلون من قربانهم ، ويشربون منه ، فليقوموا وليغيثوهم في وقت حاجتهم. فتبصّروا تبصروا : أنا وحدي ولا إله غيري ، أنا أميت ، وأنا أحيي ، وأنا أمرض ، وأنا أبرئ ، ولا ينخلص شيء من يدي ، فأرفع إلى السماء يدي ، وأقول : بحياتي الدائمة ، لئن حددت رمحي كالصاعقة ، وابتدأت يميني بالحكم ، لا كافاني أعدائي ، وأهل السنان ، ولأسكرن نبلي دما ، ولأقطعن برمحي لحوما ، فامدحوا يا معشر الأجناس أمة ، فإنه سيأخذ بدماء عبيده ، وينتقم من أعدائهم ، ويرحم أرضهم».
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : هذه السورة التي أبيحت لهم ، وأمروا بحفظها وكتابتها لا ما سواها بنص توراتهم بزعمهم ، وقد بينا قبل أنهم لم يشتغلوا بعد موت «سليمان» عليهالسلام ، لا بهذه السورة ولا بغيرها إلا مدة الملوك الخمسة فقط ، لأنهم قد عبدوا كلهم الأوثان ، وقتلوا الأنبياء وأخافوهم ، وشردوهم ، هذا ما لا يشك فيه كافر ولا مؤمن.
على أن في هذه السورة من الفضائح ما لا يجوز أن ينسب إلى الله عزوجل ، مثل قوله : إن الله تعالى هو أبوهم الذي ولدهم ، وأنهم بنوه وبناته حاشا لله من هذا ، وهل طرق للنصارى وسهّل عليهم أن يجعلوا لله ولدا إلّا ما وجدوا في هذه الكتب الملعونة المكذوبة المبدّلة بأيدي اليهود؟!
وليس في العجب أكثر من أن يجعلهم أنفسهم أولاد الله تعالى ، وكل من عرفهم يعرف أنهم أوضر (١) الأمم بزة ، وأبردهم طلعة ، وأغثهم مفاظع ، وأتمهم خبثا ، وأكثرهم غشا ، وأجبنهم نفوسا ، وأشدهم مهانة ، وأكذبهم لهجة ، وأضعفهم همة ، وأرعنهم شمائل ، بل حاشا لله من هذا الاختيار الفاسد.
ومثل قوله في هذه السورة : أنه تعالى حملهم على منكبيه.
ومثل قوله : أنه قد قسم الأجناس من بني آدم ، وجعل قسمة الأجناس على حساب بني إسرائيل ، وجعلهم سهمه ، فهذا كذب ظاهر حاشا لله منه لأن أولاد بني إسرائيل كانوا اثني عشر ، فعلى هذا يجب أن يكون أجناس «بني آدم» اثني عشر ، وليس الأمر كذلك ، فإن كان عنى من تناسل من أولاد إسرائيل ، فالكذب حينئذ أشنع وأبشع ، لأن عددهم لا يستقر على قدر واحد ، بل كل يوم يزيدون وينقصون بالولادة والموت ،
__________________
(١) الوضر : الوسخ (المعجم الوسيط : ص ١٠٣٩).